العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ

العراق... متى يخرج من معادلة البستان والحقل؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«مطر مطر مطر...

ما مر يوم في العراق ليس فيه جوع».

بهذه الكلمات يبدأ الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قصيدته الحزينة وهو ينعى العراق الغني المجوّع ويتلو تراتيل الوجع القديم. ما كان العراق يوما فقيرا، ولكن السياسة أجاعته ونشرت القحط وأحلت اليباب في ربوع الرافدين. من زمن الحجاج ومن قبله، والسياسة تكويه بنيرانها، والبائس الفقير هو الذي يدفع الثمن. بالأمس كان يسمى أرض السواد لكثرة الزرع وانتشار النخيل الباسقات، حتى زحفت عليه قريش فاستأثرت، فلما تمرد العراق على طغيان قريش قال قائلها: «إنما السواد بستان قريش»، كأنه مال أبيها...!

والآن... هل تغيرت معادلة قريش؟

قلت إن السياسة هي التي أجاعت العراق الغني. معادلة الاستئثار البغيضة هي السائدة. قرون توالت وسيف الحجاج هو الحاكم الآمر الناهي. كيف لبلد مكبل بالأغلال هكذا أن ينهض على رجليه؟ معادلة تحكم تاريخه قرونا بعد قرون. قبل الإسلام حكمته سنة نمرود، وبعد الإسلام تحكمت فيه أثرة قريش. تلاها أصناف وأشكال من الحكام من نفس الشاكلة، يجمعهم النهج الأخرق والقبضة الشرسة. ما انفكت القبضة عن رقبته، وما فتئ يتململ. حتى اشتهر بالثورات من قديم.

واليوم يظهر في مواجهته نمرود جديد، يلبس بذلة وربطة عنق، تحسبه في مشيته من الجبارين، وقد انشقت له الأرض ليصب ما بقي من ثارات أبيه على رأس العراق. كأنه ما شبع من دم العراقيين فجاء ليروى. يتكلم عن حاكمه كرأس للشر، وهو الذي أسنده قبل عشر سنين وأمده بالمال والسلاح. الناس لم تنس أنه هو الذي أنبت له الأنياب في فكيه وثبّت في أظافره البراثن والمخالب. الناس هنا لم تنس حملة التسويق الفجة، ولا الصفات القدسية التي أسبغت عليه في كرم وسخاء، وما كان يوصف به «حامي البوابة الشرقية»، وفارس الأمة العربية التي ما صوّتت عليه لتختاره فارسا! حتى بلغ بالحملة الفجة أن تلصقه بنسب الرسول الأطهر (ص). هم الذين رفعوه بالأمس وهم الذين يريدون اليوم أن يضعوه. الحيلة ما انطلت على الشعوب العربية، واللعبة ما صدقها أحد في الشرق الأوسط.

عندما ادعى «مسيلمة الكذاب» النبوة وخاطب العرب قائلا: «منّا نبي ومنكم نبي»... ما صدّقوه، فأطلق كلمة ساخرة: «ولكن قريشا قوم لا يعدلون»! ومن السخرية أنها كانت الكلمة الوحيدة التي خرجت من فم الكذاب والتي شهد بقية العرب تحققها في قريش على أرض العراق!

والحكاية مع نمرود الجديد، إنه يتحدث عن الديمقراطية وعن حق الشعب العراقي في حكم جيد، ولكن عينه على النفط وحقوله، كما كانت عين قريش على السواد وبساتينه!

إذا، هل قدّر للعراق أن يبقى تاريخه رهين المحبسين، تحكمه معادلة الحقل والبستان، بالأمس قريش، واليوم «بُويش»؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً