العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ

إنها الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات «النصفية» الأميركية أعطى الرئيس جورج بوش شرعية داخلية لسياساته العامة وعلى رأسها تغليب «الأمن القومي» على «الأمن الاجتماعي». فالتصويت على البرنامج الجمهوري كان ضرورة للرئيس الأميركي حتى يتفرغ لمعركته الخارجية ويستكمل مشروع الهجوم الوقائي ضد الدول التي تزعم إدارة واشنطن انها تقع خارج دائرة سيطرتها أو انها تريد تطويعها لتنسجم مع خطة التمدد الأميركي على طريق التجارة القديم من جزيرة بالي في اندونيسيا إلى العراق وما بعده.

التصويت على البرنامج الجمهوري اكسب بوش نقطة مهمة في معركته داخل مجلس الأمن، وأعطاه حرية التصرف حيال اعتراضات ظهرت على نسب متفاوتة بين الدول الكبرى التي تملك حق النقض (الفيتو).

وبعد يوم من التصويت اتجه بوش إلى المساومة مع فرنسا تحت سقف المشروع الأميركي - البريطاني. فرنسا لا تملك خطة مضادة وكل ما عندها هو مجرد اعتراضات فنية على مشروع مطروح. وملاحظاتها الفنية تبدو سياسية في الظاهر بينما هي في حقيقة الأمر محاولة لتحسين فرص وجودها في المنطقة (الشرق الأوسط) من خلال زيادة حصتها في العراق. فالمسألة ليست سياسية بقدر ما هي مصلحية.

كذلك يمكن قراءة الموقف الروسي. فالكرملين الذي كان يعتبر الحليف القوي (عسكريا) للنظام العراقي في فترة «الحرب الباردة» يريد ان يحافظ على حصته مع استعداد للتخلي عن اجزاء منها في حال تم ضخ المال في شرايين الاقتصاد الروسي الذي يعاني مشكلات بنيوية. فالاقتصاد الروسي بعد الحقبة السوفياتية يعاد انتاجه. وتجديده يحتاج إلى أكثر من مساعدات مالية لتغطية العجز في الموازنة وتسديد الديون المتراكمة، انه اقتصاد متهالك تدهور إلى تحت درجة الصفر والمطلوب ليس تغذيته بل إعادة إنتاج بنيته التحتية.

أما الصين فهي الصديق - العدو للولايات المتحدة، وهي الدولة الوحيدة القادرة على قول (لا) إلا ان تلك الكلمة غالية الثمن وقد تتسبب في تعطيل مسار النمو الاقتصادي الذي وضع بكين في مصاف الدول الكبرى وجعلها السادسة في الترتيب العالمي. فهي تأتي بعد الدول الخمس الأولى في العالم: الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا. وفي حال قالت الصين (نعم) للقرار فإن فرص تقدمها مفتوحة وربما تصبح الدولة الخامسة وتحتل موقع بريطانيا في السنوات المقبلة. لهذه الأسباب الخاصة نجحت أميركا في فرض شروطها على الدول الكبرى في مجلس الأمن. وهي بتمرير مشروعها بعد تعديلات فنية على بعض بنوده تكون قد فتحت باب الحرب على العراق.

العراق الآن في موقف صعب. فكل الرهانات السياسية على الصين وروسيا وفرنسا ذهبت هباء. وكل محاولات الانفتاح على دول الجوار باتت عرضة للاهتزاز. فالولايات المتحدة ممثلة برئيسها ترى ان المعركة ضد النظام العراقي ليست حربا مستقلة ومنفصلة عن حرب الخليج الثانية (1990 - 1991) بل هي حلقة في سلسلة انقطعت آنذاك لأسباب لها صلة بالجغرافيا - السياسية. فالحرب بالنسبة لعائلة بوش لم تنته وفترة الابن ليست منقطعة عن فترة الأب. فهذه تستكمل المهمة التي توقفت عند حدود البصرة وتلك التي بدأت كان يجب ألا تنتهي من دون نصر حاسم: اسقاط نظام بغداد.

عائلة بوش ترى ان فترة الحزب الديمقراطي (بيل كلينتون) أخرت المهمة وعطلت حلقاتها لمدة ثماني سنوات. والآن عاد الزمن إلى دورته ولابد من انهاء مهمة بدأها بوش الأب. هذه الحسابات «الشخصية» تبدو أنها تصب مباشرة في حسابات اقليمية أخرى وهي انتظار «إسرائيل» تلك اللحظة الحاسمة للانقضاض على عقبات ترى تل أبيب انها تعرقل مشروعها الخاص.

والمفارقة بين حسابات حرب الخليج (1990 - 1991) وحسابات الحرب المحتملة (2002 - 2003) ضد العراق هي ان بعض الدول العربية شارك القوات الأميركية - الدولية في الحرب الأولى بينما في الحرب المحتملة الثانية هناك شريك جديد يريد الحرب لحسابات المشروع الصهيوني الذي يرى بعض قادته انه توقف أيضا وتراجع عن أهدافه الكبرى.

المفارقة إذا تقع في هذه الدائرة بالضبط: في الأولى كانت الحرب أميركية - عربية ضد العراق، وفي الثانية ستكون الحرب المحتملة أميركية - إسرائيلية ضد العرب. الخطوة الأولى مهدت للثانية.

وهذا بيت القصيد من الحرب الأولى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً