العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ

مسلمون ويهود في فرنسا: من يمثلون؟ بمـن يتمثلــون؟... ولمـن يرجعــون؟

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

يعيش مسلمون ويهود على أرض فرنسية واحدة لكن لكل جماعة منهما مناطقها وأحياؤها بل وحتى علاقتها الخاصة مع الدولة الفرنسية ومع الفرنسيين. وهما اليوم إذ تقترب مناطقهما في فرنسا جغرافيا، يزدادان تباعدا وينزوي كل منهما في عزلته عن الآخر بل وحتى عن الآخرين جميعا. كيف يعيش المسلمون الفرنسيون وكيف يعيش اليهود الفرنسيون؟ الموضوع الأول تناولته صحيفة «ليبراسيون» (تاريخ 6 أكتوبر/ تشرين الأول). في حين تحدثت مجلة «الاكسبرس» عن الموضوع الثاني في ملف نشر في عدد 10 أكتوبر من المجلة.

تحت هذا العنوان الذي احتل الصفحة الأولى من «ليبراسيون» تحدثت الصحيفة عن الإسلام في فرنسا بوصفها طائفة منقسمة جدا، متعددة المرجعيات. فمسجد باريس الكبير الذي يتعهد ضمان وجود إسلام جمهوري يحترم العلمانية يطالب بموقع رئيسي له في أية هيئة تمثيلية للمسلمين في فرنسا مستندا في مطلبه إلى الثقل الرمزي لأقدم مسجد في فرنسا كما إلى واقع تمويل الحكومة الجزائرية جزئيا لهذا المسجد مما يجعل الدولة الجزائرية المرجع الطبيعي للمسلمين الجزائريي الأصل في فرنسا. في حين أن اتحاد الهيئات والمنظمات الإسلامية في فرنسا، وهي الهيئة التي تتبنى الفكر الأصولي لجماعة الإخوان المسلمين، ترفض هذا الاقتراح مستقوية بحضورها النشط على الساحة الفرنسية وبعدم تبعيتها لأية دولة، لتطالب بحمل لقب الممثل الصحيح الحقيقي للإسلام في فرنسا. وهي تجسد الإسلام المقاتل وفي كل سنة يستقطب مؤتمرها عشرات الآلاف من المؤمنين معظمهم من الشباب المولود في فرنسا.

وتصف «ليبراسيون» ما أسمته «حيرة الجمهورية» (الفرنسية) في تنظيم الإسلام على أرضها ومحاولات وزير الداخلية والأديان نيقولا سار كوزي، كما أسلافه، إيجاد هيئة تجمع بين اتحاد الهيئات والمنظمات الإسلامية في فرنسا والمسجد الكبير وعشرات الاتحادات والجمعيات الأخرى التي تتحدث باسم مسلمي فرنسا. فمنذ العام 1988 توصل كل وزراء الداخلية الفرنسيين إلى نتيجة واحدة هي أن الإسلام، الذي يمثل الديانة الثانية في فرنسا بوجود 4 إلى 5 ملايين مسلم، بحاجة ماسة إلى هيئة تمثله في المجتمع، لاسيما أن تعددية التمثيل والمرجعية لهؤلاء المسلمين جعلت من مشاريع بناء المساجد هنا وهناك وبشكل عشوائي موضع جدال حاد مع الدولة الفرنسية. «فرئيس بلدية أي مدينة كانت ـ تنقل «ليبراسيون» عن وزير الداخلية سار كوزي قوله لمجلة «المدينة» الإسلامية الصادرة في فرنسا ـ سيرد على أي طلب يتقدم به أسقف أو رئيس مجمع ديني بسهوله أكبر من طلب مماثل تتقدم به جمعية غير معروفة».

وإذ يؤكد ساركوزي أنه «لن يسمح للأصولية والتطرف بالجلوس إلى طاولة الجمهورية»، يقترح خطة جديدة للتوصل إلى تمثيل صحيح وملائم لمسلمي فرنسا يعزز من نفوذ المسجد الكبير والمجالس الاستشارية المحلية ويفسح مكانا أوسع للشخصيات المؤهلة المعروفة «بعمقها الروحي»... ويقلص من سلطة ممثلي المساجد ومن نفوذ اتحاد الهيئات والمنظمات الإسلامية في فرنسا. وفي رأي سار كوزي أن هناك حدودا يجب احترامها. ويشكو من وجود «أئمة مساجد لا يتكلمون الفرنسية مطلقا يأتون إلى المساجد يعظون بقيم مناقضة لقيم الجمهورية». فالمطلوب، كما يقول سار كوزي: «تمثيل إسلام فرنسا وليس الإسلام في فرنسا».

وتشير «ليبراسيون»إلى وجود 1500 مركز عبادة للمسلمين في فرنسا الذين يبلغ عددهم حسب التقديرات وليس الإحصاءات نحو أربعة أو خمسة ملايين مسلم، ثلاثة أرباعهم من أصول مغاربية. كما تشير «ليبراسيون»، ووفقا لتقديرات وزارة الداخلية الفرنسية للعام 1999، إلى وجود 900 إمام، 40 في المئة منهم من المغاربة، 24 في المئة من الجزائريين، 15 في المئة أتراك، و9 في المئة فرنسيون. في حين أن من بين الاتحادات والمساجد المشاركة في كل مشاورات بشأن وضع المسلمين الفرنسيين هناك: المسجد الكبير لباريس الذي يجمع نحو 300 مركز عبادة، اتحاد الهيئات الإسلامية لفرنسا الذي أنشئ العام 1983 ويجمع 200 هيئة منتشرة على الأراضي الفرنسية كافة، حركة التغليب القادمة من باكستان، اللجنة الإسلامية للأتراك الفرنسيين التي تدعي أن لها أكثر من مئة مسجد، وأخيرا اتحاد الهيئات الإسلامية لإفريقيا التي تمثل مجموعة كبيرة العدد لكن ليس لها سوى القليل من مراكز العبادة.

وفي «ليبراسيون» أيضا كتب المعلق السياسي الأول جان امالريك يعتبر أن إيجاد مجلس تمثيلي لإسلام فرنسا مهمة شبه مستحيلة بسبب الخلافات بين الهيئات المتعددة التي تدعي تمثيل مسلمي فرنسا وتضارب مصالحها وارتباط أكثرها بالخارج. فالمشكلة الرئيسية، في رأي امالريك، تكمن في أن الإسلام، الذي يبشر أنصار كثر به بوصفة صيغة جامعة شاملة متعارضة تماما مع مفهومنا للعلمنة كما مع مبادئ الجمهورية والديمقراطية، هو الديانة الوحيدة في فرنسا الذي يأتي جزء كبير من تمويله من الخارج.

يهود فرنسا أم يهود في فرنسا؟

في مقابل انقسام مسلمي فرنسا والعجز عن إيجاد هيئة واحدة تمثلهم لدى الحكومة الفرنسية، يشكل يهود فرنسا وحدة متراصة بتمثيل واضح عزز من تراصفها تنامي شعور العداء للسامية، في رأيهم، الذي انعكس منذ 1999 ازديادا في الاعتداءات على مدارس ومراكز عبادة لهم في مناطق مختلفة في فرنسا، إذ باتوا يعيشون في خوف وعزلة.

ويواجه يهود فرنسا، كما تقول «الاكسبرس»، حقد اليمين الفرنسي من جهة وغضب مسلمي فرنسا من جهة ثانية بسبب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فيتناسون خلافاتهم الداخلية ليتضامنوا في وجه التهديدات، لكن من الخارج فقط. إذ تنشب الخلافات بقوة بشأن المآدب العائلية، كما تقول «ليبراسيون». ويبرز اليهودي البورجوازي في وجه يهودي الضواحي. ويهودي الاشكناز ويهودي السفاراد، اليهودي المتدين واليهودي الليبرالي، اليهودي المتشائم واليهودي المتفائل، لكن جميعهم ممثلون في هيئة واحدة يتدافعون للاجتماع والالتمام مع بعضهم البعض عند كل خطر أو مأزق.

لكن يهود فرنسا ـ تتابع «الاكسبرس» ـ يعيشون اليوم إحدى مراحل استبطان الذات والهوية ويسألون: ماذا يعني أن تكون يهوديا في فرنسا؟ فهناك طرق كثيرة لكي يشعر المرء أنه يهودي: الديانة، الذكرى، العلاقة بإسرائيل، الثقافة العائلية... والعداء للسامية. إلا أن كل هذه المؤشرات المرتبطة بالهوية في أزمة اليوم... هذا ما ذكرته الخبيرة في علم اجتماع اليهودية الفرنسية دوريس بن سيمون. فالممارسة الدينية قليلة وطقوس الزواج الديني اليهودي نادرة. أما ذكرى المحرقة فهي تفسد حياة بعض الأحياء اليهود الذين يرفضون «البحث عن أصولهم في المآسي والألم». في حين أن العلاقة مع إسرائيل مرتبكة. ويقول دانييل فاهري، حاخام الحركة اليهوديـــة الليبراليـــة: «إنني مستعد للمخاطرة بحياتي تعبيرا عن دعمي غير المشروط لحق إسرائيل بالوجود، لكن دعمي لسياستها لا يمكن إلا أن يكون بشروط».

وإذا كانت الثقافة العائلية اليهودية تفترض مناقشة الخلافات داخليا «تفاديا لأن يستخدمها أو يستغلها أعداء إسرائيل واليهود»، فإن شعور العداء للسامية الذي يصنع اليهودي غامض الهوية اليوم فقد عبّر عنه اليمين الفرنسي المتطرف وأطراف أخرى كثيرة وانعكس أعمال حرق لبعض المدارس اليهودية لم يكشف عن هوية مرتكبيها.

لكن هذه الأزمة تقول «الاكسبرس» لا تمنع يهود فرنسا من التكتل معا لمواجهة أي خطر يحدق بإسرائيل وبهم كيهود، على رغم مناداة بعضهم بإلغاء تغيير «الطائفة اليهودية في فرنسا» واستخدام تعبير «يهود فرنسا»، وعلى رغم اعتراض الكثير من يهود فرنسا على التمثيل الرسمي لهم باعتباره تمثيلا نصف سياسي لجزء من السكان الفرنسيين.

لذلك كله ـ تقول «الاكسبرس» ـ ترتفع أصوات تناشد يهود فرنسا التصرف كمواطنين أحرار في الحكم على الأمور بكل حرية، فيستطيعون الشعور بالالتحام العاطفي مع «دولة إسرائيل» لكن مع الإبقاء على مسافة فاصلة مع حكومتها. وهو سلوك يصح أن يطبقه أصلا كل فرنسي، يهودي أم مسلم أو غير ذلك

العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً