انشغلت الصحف الإسرائيلية، بما سمي «خريطة الطريق» الأميركية التي عرضتها الإدارة الأميركية لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين... والتي قيل ان مستشارة الأمن القومي غونداليزا رايس، عرضتها على رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون، إبان زيارته الأخيرة إلى واشنطن... وعلى رغم أن تبرؤ الأخير من الخريطة ومن أي «طريق» للمفاوضات، لا يشكل مفاجآت لأحد.. فقد أعلن شارون بنفسه في حديث هاتفي نشره وليام سافير في صحيفة «نيويورك تايمز» (الأميركية) ما يوحي بأن «عمى» أصاب عينيه حين قال انه لم يطلع بعد على الخطة الأميركية وأن «أحرف الوثيقة صغيرة»!!
وفي حين اعترضت صحف إسرائيلية على الخريطة الأميركية لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ورحبت أخرى بها، اعتبرت الغالبية ان هذا المشروع الأميركي هو محاولة لإرضاء الطرفين، وفي الوقت نفسه تلقي عليهما مهمات صعبة الهضم سياسيا كما قال ألوف بن في «هآرتس»... الذي يرى أن هذه الخريطة موجهة في الحقيقة نحو هدف آخر: بغداد... وبإجماع الصحف العبرية إن «خريطة الطريق» تندرج ضمن الاستراتيجية الاميركية ليس الهدف منها حل قضية فلسطين إنما تمكين الحكومات العربية الصديقة من القول ان الإدارة الأميركية تلعب دور الوسيط النزيه، ورجحت ان يبيع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشئون الشرق الأوسط وليام بيرنز، الذي يجول في العواصم العربية، حكوماتها «خريطة الطريق» لكنه وبحسب ناحوم برنياع، وشمعون شيفر في «يديعوت أحرونوت»، حتما لن يبيعها رحلة الى مسارات هذه الخريطة الأمر الذي جعل شارون يخرج من لقائة بوش والابتسامة على وجهه... ومن هنا بشّرت «يديعوت أحرونوت» بأن الرئيس الأميركي جورج بوش سيهاتف زعماء في العالم ويبشرهم بأن المهمة أنجزت وان شارون لن يصعّد عدوانه على الشعب الفلسطيني وسيعمل بموجب «خريطة الطريق» وأنه يكفل عدم استغلاله فوضى الحرب المتوقعة ليطرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من رام الله... لكن بعض الصحف العبرية ربطت أيضا بين «الخريطة» والعملية الفدائية التي هزّت شمال فلسطين المحتلة واستهدفت حافلة ركاب قرب مدينة الخضيرة إذ سقط 14 قتيلا إسرائيليا وأصيب أكثر من خمسين آخرين بجروح، ورأى زئيف شيف في «هآرتس» ان هدف الفلسطينيين تعطيل محاولات الوساطة الأميركية فـ «الارهاب» ضرب مجددا داخل إسرائيل، في وقت تسعى فيه الادارة الاميركية، عبر مبعوثيها إلى المنطقة، دفع عملية السلام نحو الأمام. واعتبر أنه إذا كانت مهمة بيرنز ستؤدي إلى ارتفاع في نسبة النشاط «الإرهابي» فإنه يستحسن، أن تؤجل هذه المهمة ريثما يتضح إلى أين ستنحو الأزمة العراقية. ونصحت «جيروزاليم بوست» شارون وحكومته عدم الالتفات إلى الخطة لأن حرب إسرائيل على «الإرهاب» هي في مواجهة «الإرهاب» الذي تعيشه الآن وليس في التفكير بالسلطة الفلسطينية ومستقبلها او في الحملة الأميركية المرتقبة على العراق وتطوراتها. لكن داني روبنشتاين، في «هآرتس» لفت إلى ان الانفجار كان متوقعا بالنسبة إلى الفلسطينيين، وذلك بسبب حوادث القتل التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون على يد جيش الدفاع في الأسابيع الأخيرة.
وتساءل عكيفا إلدار في «هآرتس» عما سيكون عليه موقف شارون، من «خريطة الطريق». مضيفا ان قول شارون، إن لا وقت لديه لدراسة مسودة الخطة الأميركية للسلام يبين بأن ليس مستعجلا لوضع «خريطة الطريق» على جدول أعماله. وتساءل إلدار، عما سيكون موقف أميركا، إذا اتضح ان شارون، ينوي رفض هذه المبادرة الأميركية تماما كما سبق وفعل. وختم بالقول بما يشبه التحدي لأركان حزب العمل الإسرائيلي، انه إذا تأخر « ورثة اسحق رابين» في وضع هذه الخريطة المهمة على طاولتهم، فلن يكون عليهم إلا الاختباء في عارهم.
من جهة أخرى، لاحظت «جيروزاليم بوست»، انه في الأسابيع الثلاثة الماضية، برزت ثلاث حقائق: الحقيقة الأولى هي ان حركة حماس، والجهاد الاسلامي تحاولان قتل الاسرائيليين. الحقيقة الثانية هي ان السلطة الفلسطينيّة لا تحرّك ساكنا لإيقافهم... أما الحقيقة الثالثة فهي ان إسرائيل، تحاول تخفيف قيودها على المدن الفلسطينية!! ووصفت هذا المزيج من الحقائق الثلاث بالمزيج المميت. وتساءلت عما يتوقعه الإسرائيليون بعدما بدا ان السلطة الفلسطينية لا تحارب «الإرهاب» وفيما لا تزيد إسرائيل من ضغوطها العسكرية على رغم استمرار العمليات «الإرهابية»؟. ولفتت إلى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي أريل شارون، وعد في واشنطن، الرئيس الأميركي جورج بوش، بعدم استبدال السلطة الفلسطينية قبل انتهاء الحرب الأميركية على العراق. وأضافت ان الشيء الآخر الذي تم في واشنطن، هو تسلّم شارون، «خريطة الطرق للحلّ الدائم بدولتين». ورأت ان ثمة خطا مباشرا بين «خريطة الطريق» والأزمة (عملية الخضيرة) التي يختبرها الاسرائيليون حاليا. فهذه الخريطة كغيرها من المحاولات لمحاربة «الإرهاب» مرتكزة على «الأداء». ومن هنا ذكّرت «جيروزاليم بوست» ان أريل شارون سبق وانتقد اتفاق أوسلو لأنه اتفاق قائم على المواعيد الأخيرة وليس على الأداء. ولفتت إلى ان «خريطة الطريق» محشوة بالمواعيد القصيرة السخيفة... أما الأداء الاسرائيلي فيعني بحسب الصحفية الاسرائيلية، ان حرب إسرائيل على «الارهاب» هي في مواجهة «الارهاب» الذي تعيشه الآن وليس في التفكير بالسلطة الفلسطينية ومستقبلها أو في الحملة الأميركية المرتقبة على العراق وتطوراتها... معتبرة ان على إسرائيل أن تقوم بالأداء الأول عن طريق وضع مبادئها الخاصة وإلا فلا يجب أن يفاجأ الاسرائيليون بوضع واشنطن خطة تسخر من مبادئ إسرائيل.
ورأت «يديعوت أحرونوت» ان رئيس حكومة إسرائيل أريل شارون، قدم المطلوب منه إلى الرئيس الأميركي وان السيناريو المعد سلفا قضى بأن يقدم تنازلا ما في الملف الفلسطيني يمكّن الرئيس بوش، من استحصال موافقة عالمية على مخططه ضد العراق. وأضافت ان الرئيس الأميركي سيهاتف زعماء في العالم ويبشرهم بأن المهمة أنجزت وان شارون، لن يصعّد عملياته على الشعب الفلسطيني إنما سيقدم تسهيلات إنسانية، ويفرج عن الأموال التي احتجزها منذ عامين، وسيعمل بموجب «خريطة الطريق»، وانه يكفل عدم استغلاله فوض الحرب المتوقعة ليطرد الرئيس الفلسطيني. وتابعت ان الصفقة بين بوش وشارون تقضي بأن تنذر الولايات المتحدة حليفتها بموعد الحرب قبل أسبوع من بدء العمليات العسكرية وبتوفير جسر جوي ينقل الأسلحة التي تطلبها تل أبيب، وبأعلى درجة تنسيق عسكري بين الجيشين الأميركي والاسرائيلي، وفتح خط أحمر بين الرجلين فضلا عن استخدام الولايات المتحدة قواعد الجيش الاسرائيلي كمستودعات لعتادها الطارئ. وانتهت «يديعوت أحرونوت» إلى القول، انه في مقابل هذه الالتزامات الأميركية اعترف شارون بواجب الانصياع للولايات المتحدة وجعل بوش يفهم أن لا نية لديه بمفاجأته. وكشف الكاتبان الاسرائيليان، ناحوم برنياع وشمعون شيفر في «يديعوت أحرونوت»، ان أريل شارون، بعدما اطلع على تفاصيل الخطة العسكرية الأميركية للاطاحة بصدّام حسين، اقتنع بأن ثمة احتمالا ضئيلا للغاية بأن يهاجم العراق الدولة العبرية، كما ان الادارة الأميركية تعمل من أجل منع حزب الله اللبناني من استفزاز اسرائيل. لكن الساخر في ما كتبه الرجلان، هو ان «خريطة الطريق» التي تندرج ضمن الاستراتيجية الأميركية ليس الهدف منها حل قضية فلسطين إنما تمكن الحكومات العربية الصديقة من القول ان الادارة الأميركية تلعب دور الوسيط النزيه، وسيبيعها مساعد وليام بيرنز، الخريطة لكنه لن يبيعها رحلة إلى مسارات هذه الخريطة، ما جعل شارون، يخرج من لقائه بوش والابتسامة على وجهه. ولم يخرج كثيرا عن السياق زئيف شيف في «هآرتس»، حيث رأى ان هدف الفلسطينيين تعطيل محاولات الوساطة الأميركية. واعتبر انه إذا كانت مهمة بيرنز ستؤدي إلى ارتفاع في نسبة النشاط «الإرهابي» فإنه يستحسن، أن تؤجل هذه المهمة ريثما يتضح إلى أين ستنحو الأزمة العراقية.
فـ «الارهاب» ضرب مجددا داخل إسرائيل، في وقت تسعى فيه الادارة الأميركية عبر مبعوثيها إلى المنطقة، لدفع عملية السلام نحو الأمام. ورأى انه إذا كان الهدف من هذه العملية تعطيل محاولات الوساطة الأميركية، فإن ما من شك ان الفسطينيين المتطرفين يحضرون لعمليات انتحارية إضافية داخل إسرائيل في المستقبل القريب. إذ انه يبدو واضحا ان هدفهم ليس فقط إيقاع عشرات الضحايا في صفوف المدنيين الاسرائيليين وإنما القضاء على أية وساطة أميركية، قد تؤدي إلى تجديد المحادثات الفلسطينية الاسرائيلية. وأضاف انه في حال صح هذا التوقع، فإن «خريطة الطريق» التي أتى بها مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، إلى المنطقة ستتحول إلى خريطة من دون طريق. ولفت شيف، إلى ان مهمة بيرنز، تبدو محاولة أميركية لاسترضاء العرب، في ظلّ الاستعدادات الأميركية لشنّ حرب ضدّ العراق كما انه يبدو ان واشنطن تحاول أن تثبت أيضا لشركائها في الرباعية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا) انها مازالت تعمل بنشاط باتجاه الاسلام. إلا ان شيف رأى انه إذا كانت مهمة بيرنز ستؤدي إلى ارتفاع في نسبة النشاط «الإرهابي» فإنه يستحسن، أن تؤجل هذه المهمة ريثما يتضح إلى أين ستنحو الأزمة العراقية.
وعالج جيرالد ستاينبرغ (أستاذ في جامعة بار إيلان) في «جيروزاليم بوست» المسألة من منحى آخر، فهو انتقد المسئولين الاسرائيليين ودعاهم إلى العودة إلى الواقع. مضيفا انه بدلا من أن يكثفوا جهودهم للبحث عن «الانتحاريين» وعن المتفجرات، دفن قادة الدولة رؤوسهم في معالجة أمور تافهة. مشيرا إلى ان السياسيين الاسرائيليين ومن ضمنهم وزير الدفاع بنيامين بن أليعازر، تخلوا عن اعمالهم اليومية ليهتموا بحملاتهم الانتخابية التي لا قيمة لها طالما ان الحرب مازالت مستمرة. ورأى ان الخوف من خسارة بعض المراكز السياسية قد حول انظار الجهاز الامني عن البحث عمن اسماهم «الارهابيين».
وعلى ما يبدو بقي هناك من الاسرائيليين، من يعزو العمليات الفدائية، إلى حمام الدم الذي تباشره قوات الاحتلال يوميا ضد الفلسطينيين، فقد رأى داني روبنشتاين في «هآرتس»، ان الانفجار (في الخضيرة) كان متوقعا بالنسبة إلى الفلسطينيين بسبب حوادث القتل التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون على يد جيش الدفاع. وإذ عرض روبنشتاين، لردود الفعل على الانفجار الذي تعرضت له إسرائيل. لاحظ ان العمليات الانتحارية باتت أمرا روتينيا. إذ وسائل الاعلام العربية، مثل محطة الجزيرة (القطرية) وأبوظبي (الاماراتية) لم تعط لنبأ الانفجار سوى بضع دقائق من نشراتها الاخبارية، وهكذا فعلت المحطات الغربية، التي لم تعط الانفجار الكثير من الاهتمام. وجاءت تقاريرها مختصرة جدا. وأضاف انه بعد ان عرضت المحطات الاميركية بشكل سريع للانفجار، انتقلت فورا إلى أخبار «قناص واشنطن». ولاحظ روبنشتاين، ان محطة حزب الله (المنار) هي الوحيدة التي أفردت تغطية شاملة للانفجار، إلا انه لفت إلى ان «المنار» هي محطة ايديولوجية، ولا تقيس تقاريرها بالمعايير الصحافية. ولفت روبنشتاين، إلى ان الانفجار كان متوقعا بالنسبة إلى الفلسطينيين، وذلك بسبب حوادث القتل التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون على يد جيش الدفاع في الأسابيع الأخيرة. فبالاضافة إلى مقتل أكثر من 25 فلسطينيا خلال العمليات الأخيرة التي نفذها جيش الدفاع في خان يونس ورفح (بينهم اطفال ونساء)، فإن المصادر الفلسطينية تفيد وقوع 68 فلسطينيا، معظمهم من المدنيين خلال الشهر الماضي. وحذر روبنشتاين في مقال قبل يوم من وقوع العملية الفدائية في الخضيرة، من ان الحرب الاسرائيلية باتت ضدّ الشعب الفلسطيني بكامله ولم تعد تحمل طابع مواجهة المنظمات «الارهابية»، لافتا إلى ان العدد الأكبر من ضحايا عمليات القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، هم مدنيون وفي الغالب هم من النساء والأطفال. وختم بالقول: صحيح ان القوات الاسرائيلية لا تقتل المدنيين الفلسطينيين عمدا، لكن كل من يعطي الأوامر بقصف أماكن مأهولة بالسكان يعرف تماما كم سيكون عدد الضحايا المدنيين كبيرا
العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ