العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ

هل نحن بحاجة إلى أوليفر تويست؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع الثورة الصناعية التي انطلقت شرارتها في بريطانيا، نزلت المرأة الانجليزية إلى المصانع لتعمل إلى جانب الرجل. ظروف وأسباب وعوامل شتى دفعت المرأة إلى العمل. ومع هذا النزول دفعت المرأة والأسرة والمجتمع الضريبة باهظة.

على أن من أهم ما نتج عن هذه التغيرات الاجتماعية الكبرى تشرد الأطفال، الذي قاد إلى مآسٍ وفظائع يقشعر لها البدن عندما يطلع المرء على صورتها فيما خلّده الأديب الانجليزي تشارلز ديكنز في قصصه الرائعة مثل: «أوليفر تويست»، إذ يعيش مع هذا الصبي المشرّد في رحلة العذاب والشقاء والمرض، تتلاقفه الأرجل وتتحاوشه اللكمات وتعتصره ظـروف الظلم، ويتنقل من ملجأ إلى آخر، ومن يدٍ خشنة إلى أخرى أخشن.

كتابات ديكنز ساهمت في تنوير الرأي العام وأيقظت النائمين وفتحت أعين العمي الذي لا يرون ما هو أبعد من أنوفهم. وفي النهاية قادت إلى سن تشريعات في بريطانيا ووضع قوانين تحفظ للطفولة براءتها وللإنسانية كرامتها.

المهم انه كان هناك مشكلات تعصر المجتمع ويعاني منها افراده، والمجتمع الحي هو الذي يبحث عن حلول لأزماته، لا التغطية عليها أو التستر على الأخطاء والجرائم والتجاوزات. وكان الأدباء يلعبون في تلك الفترة ذلك الدور المهم، من ديكنز في بريطانيا إلى فيكتور هيغو صاحب «البؤساء» في فرنسا، إلى ليو تولستوي في روسيا القيصرية. يحملون مصباح «ديوجين» ويدورون به في وضح النهار، وكم واجهتهم من هبات رياح، مصباحهم لم ينطفئ... وإنما أشعلوا من حولهم القناديل.

في انجلترا - الثورة الصناعية، كان المجتمع نائما، مغمضا عيونه عما يجري وكأنه لا يعنيه، ليتفكك المجتمع والأسر، ولتنهار القيم، وليتشرد الأطفال. المهم أن تبقى عجلة «الثورة الصناعية» تدور وتدور، لتدر الأرباح الطائلة في جيوب كبار رجالات الصناعة وأرباب المصانع والشركات. المهم أن يلد الجنيه مئة جنيه، وتتراكم الثروات وتتضخم الأرصدة في المصارف. ولكن... ماذا بعد؟ هل على العجلة أن تدور مهما كان الثمن؟ ومهما طحنت أسنانها من عظام الضحايا المهزولين؟

في نظرته البعيدة لهذا الموضوع، أجاب الشهيد الصدر (رحمه الله) أنه لو قيض للإسلام أن يحكم في هذه القضية، لحكم بتخفيف سرعة الثورة الصناعية ولحرص على وضع الكوابح التي تقي المجتمع من العثرات التي تردى فيها.

ولكن الإسلام لم يُسأل، والمسلمون لم يكونوا يعلمون أصلا بما كان يجري في انجلترا قبل قرنين. وحتى عندما درسوه بعد عشرات السنين كجزء من التاريخ، أو قرأوه كجزء من الإرث الأدبي للإنسانية، لم يفكروا كيف يتجنبون العثرات ذاتها، والنتيجة ما نراه من صور الظلم الاجتماعي الذي يعيشه المسلمون في بلدانهم، وما نراه ونقرأه عن مظالم العمال والأسر والأطفال والنساء... بما يوحي بأننا لا نقرأ التاريخ ولا نتعظ بتجارب الأمم التي سبقتنا على هذا الدرب، وتلك هي قمة المأساة

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً