بعد انتهاء الانتخابات تبدأ مرحلة أخرى تعاد فيها الترتيبات داخل كل طرف فاعل من الأطراف السياسية. المشاركة أو المقاطعة هما العنوانان المطروحان قبل الانتخابات. أما بعد الانتخابات فالمرحلة تختلف والمعارضة عليها الانتقال إلى نهج آخر يوفر لها الفرصة لإبداء رأيها.
الذي فاز في الانتخابات يمثل الأفراد جميعهم سواء الذين انتخبوه أو عارضوه أو قاطعوه. وهو يدخل المجلس النيابي ليتحدث عن شئون الوطن بصورة عامة، ليدافع عن مصالح جميع المواطنين لاسيما أبناء منطقته. والمقاطعة التي أعلنتها الجمعيات الأربع أوصلت الرسالة السياسية التي سعت المعارضة إلى إيصالها.
والسؤال الآن ماذا بعد إيصال تلك الرسالة؟ وما هي سياسة المعارضة؟ وكيف ستتعامل المعارضة مع النواب الذين لم يكونوا سيفوزون بمقاعدهم لو دخلت الاتجاهات الفاعلة الانتخابات؟ وكيف ستفتح المعارضة الملفات وكيف ستغلقها وهي خارج قبة البرلمان؟ هذه الأسئلة وغيرها تدور في الساحة وهي بحاجة إلى مساندة الجميع لكي نضمن عدم ابعاد الأطراف الفاعلة عن ساحة القرار والحوار.
وعلى رغم أننا نعتقد بأن العمل الوطني لا ينحصر في البرلمان فقط، إذ بإمكان الجمعيات السياسية والأهلية والنقابات والاتحادات والفعاليات السياسية والرموز الدينية ممارسة أدوار مهمة في الحياة العامة، إلا ان الأثر الأكبر نفوذا سيكون لمن يستطيع الحديث داخل البرلمان.
وعلى هذا الأساس فإن هناك حاجة إلى إقامة تحالفات مع الأعضاء الذين دخلوا من خارج إطار الجمعيات السياسية في المناطق التي تمتلك الجمعيات المقاطعة نفوذا فيها. ولربما استطاع بعض الذين دخلوا البرلمان الاشتراك في واحدة من الجمعيات لاحقا بحسب ما تقتضيه الظروف.
المعارضة المبدئية تمر بالظروف ذاتها التي مرت بها المعارضات المبدئية في دول أخرى، إذ اضطرت في مرحلة من المراحل إلى الانسحاب أو المقاطعة. وهكذا الحال مع المعارضة البحرينية التي دعمت الإصلاح وشاركت في انجاح بداياته. والمعارضة ربما اضطرت للموقف الذي اتخذته لأنها لم تجد الوسيلة المناسبة والقناة الأكثر فاعلية لإيصال صوتها. ولكي تستطيع المعارضة الدخول في المعترك السياسي من مختلف أبوابه البرلمانية وغير البرلمانية، فإنها بحاجة إلى ابتكار أساليب أكثر ملاءمة للمرحلة التي نعيشها. فالأساليب التي نجحت في الماضي ليس بالضرورة تنجح في الوقت الحالي. فلكل فترة ظروفها التي تساعد على اتباع أسلوب معين. والعالم ينظر اليوم إلى الحكومة والمعارضة ليرى كيف يتصرف الاثنان.
ونحن نأمل في الخروج من القوقعة التي وقعنا فيها قبل الانتخابات لنثبت لدول الجوار والعالم أجمع انه بالإمكان الاختلاف في الرأي والموقف، وفي الوقت ذاته لا يتخلخل الأمن والاستقرار.
ولابد لنا من تسجيل مدى الاعجاب والتقدير الذي أبداه كثير من المراقبين لعدم حدوث ما يعكر سير الانتخابات على رغم وجود الرأي المقاطع. فلم تسجل مراكز الشرطة حوادث تذكر، وهذا لم يكن ليتحقق لولا تحضر المعارضة في أساليبها ولولا الاستجابة الحضارية للقيادة السياسية وإيمانها بعدم التعرض للرأي المخالف بما ينتهك حقوق الإنسان.
تحديات كبرى على طريق استرجاع الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين جميعهم. ولكي نتمكن من المحافظة على مالدينا من حقوق فإن أمامنا صعابا يمكننا التغلب عليها إذا قررنا ذلك.
فأمامنا مسألة المواطنة وتخطي التمييز بين المواطنين على أساس مذهبي أو أي أساس آخر. فالانتخابات دفعت باتجاه اتخاذ مواقف صبغت المناطق بالمذهبية، وهذا ليس عيبا.
كثير من الدول تبدأ انتخاباتها بهذا الشكل. فالمجتمع الذي لم يستطع خلق مؤسسات مدنية حديثة يلجأ إلى القبيلة وإلى المذهب للشعور بالأمن فيما هو مجرب وقديم، ويخاف من اللجوء إلى هيئات مدنية ليس لها جذور ضاربة في التاريخ. ولكن مع تعزيز الحياة الديمقراطية ينتقل المواطن من هذا الشعور إلى الانتماء إلى الاتجاه السياسي الوطني بغض النظر عن الانتماء القبلي أو الأثني أو الطائفي.
وهذا كله يعتمد على نجاح التجربة الديمقراطية. فحتى الدول المتقدمة مثل شمال ايرلندا مازالت الانتخابات فيها تتبع النهج الطائفي، إذا ان الكاثوليكي لا يصوت إلا للكاثوليكي والبروتستانتي لا يصوت إلى للبروتستانتي وذلك لانعدام البديل الآخر الذي يحقق الأمن والرفاهية وحرية الاختيار.
جميعا مدعوون للخروج من أية سياسة تعزز المذهبية، والاتجاه لابن البحرين الذي لا يختلف في مشكلاته وطموحاته مهما كان مذهبه وأصله.
وعندئذ نستطيع ان نتحرك إلى الأمام مطالبين بحقوقنا الكاملة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ