العدد 47 - الثلثاء 22 أكتوبر 2002م الموافق 15 شعبان 1423هـ

مجزرة بالي في الصحف العربية

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

بقيت محل اهتمام المراقبين والمحللين في الصحف العربية، العمليات التي شهدتها دول عدة في الأيام الماضية، بدءا بتفجير الناقلة الفرنسية أمام السواحل اليمنية مرورا بالهجوم على «المارينز» في جزيرة فيلكا الكويتية وانتهاء بالانفجار في جزيرة بالي الاندونيسية، بالاضافة إلى محاولة خطف طائرة سعودية لدى توجهها من الخرطوم إلى جدة. هذا إذا لم ننس قناص واشنطن، الذي يثير الذعر والرعب في ضواحي واشنطن منذ حوالي أسبوعين ويحتار بعض المحللين الاميركين في ربطه بقضايا الإرهاب وتحديدا حين شبهه توماس فريديان في «نيويورك تايمز» بـ اسامة بن لادن. هذه السلسلة من الحوادث اجمع المراقبون، على انها تمثل عودة قوية لتنظيم «القاعدة» بعد سنة من الحرب الاميركية عليه.

وفي ظل تصاعد الحديث عن سيناريوهات الحرب على العراق أو بعد العراق، آخرها ما نقلته الوطن (السعودية) من حديث لمصدر عسكري أوروبي، عن خطة اميركية - إسرائيلية تسربت إلى الاتحاد الاوروبي تهدف إلى تغيير الخريطة السياسية والحدودية في منطقة الشرق الأوسط وإزالة دولة العراق ودمج الأراضي العراقية مع المملكة الأردنية ويكون الحكم للعائلة الهاشمية وتكون العاصمة هي عمّان، وتتم إدارة الجزء العراقي بتوجيهات عسكرية اميركية مع بقاء معسكرات اميركية فيها للحفاظ على الأمن، وذلك مقابل استقطاع إسرائيل مناطق من الأردن للتوسع فيها وتوطين آلاف اليهود المهاجرين من اميركا واوروبا الغربية وروسيا. ومع عدم الثقة من أي تحولات في الموقف الاميركي مما يجري على ارض فلسطين على رغم ما يتردد من ان الرئيس الاميركي سيمارس ضغوطا على رئيس الحكومة الاسرائيلية آرييل شارون، لأن ما نعرفه عن إدارة بوش وشارون يقلل من قيمة هذا الكلام. لا سيما ان من الحكمة حسب صحيفة «الشرق الأوسط»، تجنب التفاؤل المفرط من أن يواجه شارون موقفا مختلفا في واشنطن هذه المرة، امام خلفية المعطيات القائمة الراهنة في المنطقة وفي ارجاء العالم الاسلامي بعد انفجار بالي.

خصوصا ان مركز الزلزال ليس في العراق وإنما في القدس والباقي متغيرات لم تكف عن الحصول منذ 1958 كما يقول سمير عطا الله في «النهار» اللبنانية.

ففي ظل هذا الجو المشحون، تزايدت الانتقادات العربية للسياسة الاميركية إذ لم يعد هناك مكان للحلول الوسط، لا مكان للتسويات السياسية المألوفة التي تبدأ بالحوار وتنتهي بتوقيع اتفاقات لتسوية النزاعات. فتناول جوزف سماحة في السفير، الهجمات والتفجيرات التي شهدها العالم خلال النصف الاول من الشهر الحالي، في الكويت، واليمن، واندونيسيا. متسائلا، هل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ناجحة، أم ان الخصم غيّر طبيعته واثبت قدرة على التأقلم وربما يكون انتقل إلى هجوم مضاد؟ ورأى سماحة، ان هذا المشهد العالمي يعزز حجة القائلين بعدم الاقدام على حرب ضد العراق. غير ان الإدارة الاميركية سترفض التعاطي الايجابي مع هذه الخطة.

وخلص سماحة، إلى القول، عندما سيفعل الاميركيون (الحرب ضد العراق)، ويحصل بعده ما يحصل، لن يحاسب احد دعاة الحرب، ذلك ان الفوضى الموعود بها العالم قد تجعل من النصف الأول من الشهر الجاري واحة سلام. ورأى ساطع نور الدين في السفير. انه إذا لم تعد الكويت، آمنة للأميركيين، فإن واشنطن نفسها لن تكون آمنة لهم. واعتبر انه بغض النظر عن الفارق الشاسع بين القناص الاميركي في واشنطن، وبين القناصين الاسلاميين الذين يستهدفون الجنود الاميركيين في القواعد والشوارع الكويتية، فإن الظاهرتين تمسان الأمن الداخلي الاميركي، الذي بات يشمل الكويت إلى حد بعيد منذ تحريرها في العام 1991. واعتبر انه ليست المفارقة أن تبدأ تلك الحرب من الكويت، لان الخليج العربي برهن من قبل على انه قاعدة كبرى للعنف الثوري المعاصر وهو ما ستثبته الضربات المقبلة التي ستوجه إلى الاميركيين في قطر والسعودية وغيرهما. من جهته، غسان تويني في «النهار»، رأى أن السؤال الكبير بدأ يفرض نفسه، بعد انفجار بالي في أندونيسيا والكويت واليمن وفنلندا والهند وكشمير، ردا على الكلام التجديفي من «الاصوليين» المسيحيين الامريكيين، هو هل تقدر حرب بوش، على الإحاطة المحض جغرافية بكل الجبهات المحتملة، وهي لم تنته بعد في افغانستان بنتيجة حاسمة؟ وهل من رؤية اميركية، أو غربية بالتحديد، أو أمم متحدية لهذه المعالجة؟ وإذ تعرض عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط»، لحوادث الكويت، مذكرا بحادثة مقتل كندي السنة الماضية، ابدى عدم اقتناعه بطروحات الاميركيين التي تعتبر الحرب العسكرية الوسيلة المناسبة لمواجهة هذه الجماعات (المتطرفة)، فهذه الجماعات ليست مثل تجار المخدرات في كولومبيا أو مبيضي الاموال في روسيا أو حتى النظام العراقي المشاكس، لافتا إلى ان هذه افكار وليست جماعات ومحاربتها مثل محاربة الاشباح.

معتبرا ان خير وسيلة هي في تشجيع الاعتدال وتشجيع المعتدلين ومحاولة فهم المتطرفين الذين هم انفسهم ضحايا لفكر لم يحاول احد مناقشته على منبر عريض. لكن الوطن (السعودية) التي رأت ان من الصعوبة الجزم بهوية منفذي الاعمال الإرهابية التي ارتكبت أخيرا في اليمن وإندونيسيا إلا انه من المؤكد ان هذه الأعمال ستساهم أو بآخر في مضاعفة حملات الهجوم والتشويه التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في عدد من الدول الغربية. ولهذا من المهم ان يعي من يقف وراء مثل هذه العمليات ان الدول الإسلامية والعربية هي المتضرر الاكبر من هذه العمليات سمعة واقتصادا... من جانبها الأهرام (المصرية) لم تخرج عن الرسالة الرسمية المصرية، فقالت انه من الواضح ان مواجهة القضايا السياسية الكبرى المشتعلة في الكثير من مناطق العالم تعد الطريق المكمل لتلك المواجهة الحاسمة للعنف والإرهاب، فمعالجة القضية الفلسطينية وقضية كشمير وقضية العراق وقضية الشيشان وغيرها من قضايا العالم الاسلامي المشتعلة وفقا للقرارات الشرعية الدولية والتوصل لحلول عادلة ودائمة لها، سيكون هو السبيل الحقيقي والاكثر سهولة نحو القضاء على ظواهر العنف والإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم. أما سمير عطا الله في «النهار»، فعالج القضية من أساسها، فهو وإن رأى ان مركز الزلزال ليس في العراق وإنما في القدس والباقي متغيرات لم تكف عن الحصول منذ 1958 ولأنها تأتي بالمفرق: حرب لبنان، الجزائر... لفت إلى انه وفيما نحن ننظر إلى العراق ونقرأ عن يمني اعتقل في نيويورك، أو مغربي اعتقل في المانيا، مرّ من بين اصابع هذا العالم قرار اميركا بنقل سفارتها إلى القدس. واوضح عطاالله، ان الأمر وزع على العرب بالتقسيط. دفعة دفعة. منذ اوائل الثمانينينات إلى اليوم... وكما كان الحزب الجمهوري، أو الديمقراطي يعلن في برنامجه الانتخابي انه سيعمل على نقل السفارة إلى القدس، كنا لا نصدق. وكنا نقول انهم لن يجرأوا لان تغيير واقع القدس، هو تغيير للواقع العربي كله وتجرؤ على الجوهر الاسلامي. من ناحيته، حازم صاغية في «الحياة» رأى ان مجزرة بالي اضعفت، من حيث المبدا، التركيز على العراق وعلى فلسطين. ووفّرت فرصة، ولو مبدئية لتجليس الحرب على الإرهاب، خصوصا ان أسامة بن لادن، والملا عمر، لا يزالان طليقين. فاعتبر صاغية، ان العرب والمسلمين يملكون ان يدفعوا في اتجاه تحويل الفارق المبدئي بين الحربين إلى فارق عملي. ومن هنا نصح صاغية، العرب بأن إبداء الفتور من الجانب العربي، في مكافحة الإرهاب سيجعل السياسات الاميركية أسوأ: على جبهته كما على جبهة العراق. وايضا سيجعل النتائج التي نحصدها اسوأ في الحالتين.

من جهة اخرى اجمعت تعليقات الكتاب العرب على عدم التفاؤل من ضغوط اميركية تحدثت عنها تقارير إسرائيلية واميركية تنتج عن لقاء رئيس الحكومة شارون مع الرئيس الاميركي في البيت الأبيض. ولا يعوّل كثيرا على «ضغط اميركي على شارن» لأنه وكما تقول سحر بعاصيري في «النهار» فإن «بوش وشارون توأما قوة» فعلى خطى بوش مع العراق يسير شارون: يحدد للفلسطينيين شروط الاستسلام ويحملها إلى واشنطن لتكون سقف الزيارة. هذا طبعا غير الاتجاه القوي الذي يعبر عنه صقور الإدارة والذي لا يعترف اصلا بأن وجود إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة هو احتلال، وحتى إذا ارادت الإدارة ضبط ردود فعل شارون فثمة اسئلة: هل يستطيع بوش إقناع شارون بما لا يملك هو نفسه، أي ضبط جموح القوة، وهل فعلا يريد ذلك ام يسعى إلى تأجيل اي رد فعل إسرائيلي؟ ثم هل يمكن فعلا ضبط شارون؟ واكثر من ذلك، حتى لو حددت له واشنطن هامش التحرك، فإن واشنطن تعرف كما يعرف العالم كله ان لشارون تاريخا حافلا يتجاوز ما يسمى «الخطوط الحمر» وانه لم يعاقب على ذلك. فكيف الآن وبوش وشارون توأما قوة؟ ولفت إميل خوري في «النهار» إلى ان ثمة من يرى ان شارون يحاول ان يقبض من الولايات المتحدة ثمن حياده في الحرب على العراق، دعما ماليا وحلا للقضية الفلسطينية يكون في مصلحة إسرائيل وبعد القضاء على ما يسميه إرهابا فلسطينيا مع الاحتفاظ بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها إذا تعرضت لهجوم صاروخي عراقي، أو لعمليات كبيرة من حماس والجهاد وحزب الله، إبان الحرب على العراق. لكن مصطفى الحسيني في «السفير» قال: أمل ان لايتفاءل العرب بالخير وان لا تلقى الضغوط الاميركية على شارون ترحيبا عربيا حارا او دافئا او ان يعتبروه دليلا على حيوية الدور الاميركي في عملية السلام فغرض الرئيس الاميركي وراء هذه المطالب هو تبريد الوضع الفلسطيني، حتى يتمكن من حشد التأييد العربي للحرب على العراق. أي انه، بعد ضمان ذلك التأييد المنشود والانتهاء من موضوع العراق، سيكون لكل حادث حديث، وليس خارج سياق الحديث عندئذ ان يستعيد شارون، يده الطليقة، ليس فقط في التعامل مع الفلسطينيين ، بل في المنطقة كلها. بل ان تلك اليد الطليقة في شئون المنطقة تكون ورقة بوش الرئيسية في التفاوض مع شارون على المطالب، التي هي بعض من بعض من بعض. ولفتت «الشرق الأوسط» إلى ان التقارير الإعلامية المتطايرة من واشنطن والقدس المحتلة تشير إلى احتمال ان يواجه شارون موقفا مختلفا في واشنطن هذه المرة، فإن من الحكمة تجنب التفاؤل المفرط امام خلفية المعطيات القائمة الراهنة في المنطقة وفي مختلف ارجاء العالم الاسلامي، وخصوصا في اعقاب تفجير بالي.

ان مصلحة واشنطن قبل غيرها تتطلب تغيير نبرة خطابها السياسي في التعامل مع السياسات الاسرائيلية، والبدء في كبح جماح التيار الشاروني ليس في اسرائيل فقط، بل وداخل الولايات المتحدة ذاتها، ووقف تحريضه السافر واستغلاله الخبيث للتناقضات والاشكالات الحالية. وقد تكون معبرة صرخة الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سليم الحص، إلى الحكام العرب، في مقال نشرته «النهار» وجه خلاله صرخة تحذير إلى الحكام العرب، قائلا هل تدركون ان المؤامرة لا تقتصر على فلسطين، ولا على العراق، بل تستهدف المصير العربي، مصيركم، مصير الارائك التي تتربعون فوقها؟ وان الهجمة على العراق ستجعل اميركا، ومعها إسرائيل، في موقع الآمر الناهي بلا منازع في المنطقة العربية بأسرها، فتتحكم في النفط العربي إنتاجا وتسويقا وتسعيرا، وتفرض الحل الذي تشاء لقضية العرب في فلسطين، على قياس المطامع الاسرائيلية. ونبه الرئيس الحص، إلى ان الشعوب العربية لن تصفق وتهلل، وهي تمهل ولا تهمل،. وإذا كنتم تظنون ان الاستسلام لطاغوت الدول العظمى سيحفظ عروشكم فقد اخطأتم الطريق

العدد 47 - الثلثاء 22 أكتوبر 2002م الموافق 15 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً