البعض يتحدث عن الحرية والديمقراطية وربما يكتب ويتغنى بالشعارات، رغم أنه في داخل جماعته وداخل بيته ربما لا يأبه بتطبيقها حتى في أبسط الأمور، بل وقد يحصر أفراد جماعته أو عائلته من خلال تفرده بالرأي وقمع حرية الاختيار. ومع الأسف إنه وحتى بعض الجماعات المعارضة التي تعاني من القمع تراها تحت تسلّط صوت ورأي واحد، وقد ترى هذه الجماعة أو تلك تطالب الدولة بإفساح المجال للحريات ولكنها تغفل عن تنفيذ ذلك فيما يتعلق بشأنها الداخلي.
هؤلاء لا يختلفون كثيرا عمن يمسكون بموقع قرار ما من خلال التفرد بالرأي، وللأسف فإن هؤلاء يفسرون الديمقراطية الغائبة بحسب المقاس في مجتمعاتنا العربية.
إن تعزيز الممارسة الديمقراطية يحتاج إلى تقاليد وثقافة وهي أمور مازالت غير موجودة على أرض الواقع لكوننا أمما لم تنعم بتجارب معمقة في الديمقراطية وفي الاختيار وفي التفكير.
ويكفي بقراءة سريعة لتاريخنا العربي والإسلامي (بعد وفاة الرسول (ص) والخلفاء الراشدين وبعد إلغاء مبدأ الشورى) لنلحظ أننا عانينا حقبا اتخذت من سفك الدماء أو الخديعة سبيلا لمسك زمام الخلافة وقيادة دفة أمور الدولة الإسلامية.
نعم، لقد تميزت بعض الفترات التاريخية بالتطور في العلوم والفكر، إلا أن ذلك كان يحدث تبعا لرغبة الخليفة، فإذا كان محبا للعلوم فإن الدولة برمتها تتجه نحو هذا الاتجاه، وإنْ لم يكن كذلك فتقبع في دهاليز تخلفها.
إن كلَّ واحدة من الدول التي أثرت في تاريخنا (مثل الدولة الأموية، العباسية، العثمانية) قامت بتحقيق عدد من الأشياء التي ربما تكون إيجابية - بمقياس زمانها - ولكن كثيرا من الممارسات كان سيئا، إذ إن الأمة كلها تختصر في شخص الخليفة وتفرده بالسلطان وبوصيته بمن يأتي من بعده، إذ لا يكفي ما فعله في الناس أثناء حياتهم ليربط في أعناقهم ما يريد حدوثه في مستقبلهم. إن من ضمن ما تبقى معنا لحد اليوم هو الموروث الأبوي للأنظمة الذي يطغى في النهاية على الحياة السياسية ويخنقها، وهذا منتشر في أوساط مختلفة، وانتشاره يعني أن السعي نحو الديمقراطية لا يتعدى الشعارات
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 2215 - الإثنين 29 سبتمبر 2008م الموافق 28 رمضان 1429هـ