ماذا يحدث في جلسات بيع الوهم؟، جلسات العلاج بالقرآن، وفتح «الفال»؟
زبائن هذه الجلسات أكثرهم نساء، من مختلف الاعمار، طالبات جامعة، مدرسات، طبيبات، ربات بيوت، فالأمر اذا لا يتعلق بجهل أو ثقافة أو عمر، ولكنه يتعلق بالإيحاء.
فعلى رغم اننا نعيش في زمن الثورات العلمية المتلاحقة، لايزال هناك من يبحث عن الغيبيات ليسيّر دفة حياته!، وبدلا من البحث عن منطق يفسرأسباب تكرار فشله، وبدلا من بذل الجهد لرسم ملامح المستقبل، يلجأ إلى السحرة، أو إلى قارئي «الفال»، أو إلى العلاج بالقرآن، حتى يحلوا له مشكلاته المستعصية التي لم يقو أي منطق - في نظره - على حلها.
ولأن المضطر يركب الصعب، فهم يبذلون كل غال ونفيس في مشوار اللهاث خلف وهم حل مشكلات الحاضر والحصول على مستقبل مشرق، متناسين ان المستقبل بيد الله وحده، وان علينا السعي، وعلى الله التوفيق.
البعض يفسر مقولة «كذب المنجمون ولو صدقوا» لصالح هؤلاء المنجمين على اعتبار ان المنجمين يمكن أن يصدقوا، يسيرون معصوبي العينين وراء هذا الوهم، ماذا يدور في جلسات بيع الوهم؟
طرقنا الأبواب مزجنا الكذب بالحقائق، اردنا حضور صفقات «بيع الوهم»، حتى نتعرف على هذا العالم.
اتصلت بها «على الموبايل» أم (س)؟
- نعم.
- هل استطيع زيارتك؟
- «اشفيك يابنيتي»؟
- «مشاكل وايد».
ووصفت لي أم (س) عنوان البيت - ولم تنس ان تعقب قائلة... «اليوم زحمة لا تيين، تعالي باجر الساعة أربع».
وفي الموعد، والمكان المحدد وقفت انتظر أم سعد لتصحبني إلى بيتها، وجاءت طفلة لم تتجاوز الثمانية أعوام، واشارت إليّ بفتح النافذة ثم قالت... «انا سارة من عند ام سعد»، وصعدت لتجلس بجواري وعرفت ان سارة هي حفيدة أم سعد بينما كانت تشير إلى الطريق المؤدي إلى البيت.
وأمام بيت متواضع توقفنا، وصحبتني سارة من خلال حوش البيت إلى مدخل صغير عند باب المجلس كانت رائحة البخور تستقبل الزوار وخلفها تقف أم (س)، وبترحيب رددت «يا هلا بنيتي»، والغريب انني لم استطع تحديد عمرها، فلم تكن الجدة التي أضاع الزمن ملامحها، وفي الوقت نفسه لم تكن تلك المرأة التي تشع شبابا وحيوية، امرأة ذات ملامح عادية ترتدي جلبابا «وشيلة»، وتحمل ابتسامة هادئة.
سألتني... «عسى ماشر»؟
غارقة في الديون، «والألف في يدي ما تم».
علقت... «يعني الفلوس مافيها بركة، وزوجك»؟
«نفس الشي، مايستقر في شغل».
ثم دونت في دفتر كبير اسمي واسم زوجي، واسم ابني، وقالت اتصلي بي غدا حتى اقول لك «اشفيك».
ولماذا لا تقولين لي الآن؟
«الحين مايصير، لازم اطالع القرآن واشوف الآيات اللي تطلع لك».
وقبل أن امضي اعطيت أم (س) «المقسوم»، والحقيقة ان ام (س)، لا تحدد أي مبلغ ثمنا للاستشارة، وتقول... «انا لست دجالة، ولكنني اعالج الناس بالقرآن وليس معقولا أن احدد مبلغا، ولكن المرء بما يجود به»، ولكن معروف ألا يكون هذا «المقسوم» أقل من خمسة دنانير.
مسّ من الأرض
في اليوم التالي اتصلت بأم (س)، التي قالت لي ... «انت وزوجك محسودين وعليكم العين، بس انت فيك بعد مس من تحت الأرض».
وسألتها... ماذا تعنين بتحت الأرض؟
قالت... «شي بسيط لا تحاتين».
ورددت بيني وبين نفسي «هو انا قادرة على اللي فوق الأرض لما يطلع لي اللي تحت الأرض».
والحل يا أم (س).
«أبدا ماي وزيت وكل شي يصير زين».
وحددت لي موعدا آخر، وذهبت إليها، فوجدت فوق المائدة اربع زجاجات مياه صحة، كل واحدة منها مكتوب عليها اسمي واسم زوجي واسم ابني، والرابعة مكتوب عليها بيت نبيلة، وكل زجاجة كتبت عليها آيات ووصفة بقراءتها عدة ليال، بعدها يُشرب الماء او يُرش في البيت، وقالت.... «انت محسودة، وزوجك معمول له عمل أسود».
وماذا يعني العمل الأسود؟
هو عمل قديم يعمل بطريقة معينة ويطلق عليه عمل اسود.
وماذا عن المس من الأرض؟
«هاي شي بسيط ما تهتمين... العين اكثر».
وأين الزيت؟
قالت... «انت ماتحتاجين زيت، بس ماي».
وشعرت كأن ام (س)، «تخربط بين الأوادم، ولذا فهي تخربط» ايضا في الوصفات العلاجية ولا تعرف من هي الموصوف لها الزيت، ومن هي التي تعالج بالماء، وأرادت ان تؤكد لي انها تستطيع تدبر آيات القرآن فقالت لي لماذا لم تقولي لي انك مريضة؟».
والحقيقة لقد فوجئت بالسؤال لأنني كنت أمر بالفعل بوعكة صحية.
وعادت تقول... القرآن بيّن لي كل شيء.
وتعتقدين ان مشاكلي سوف تحل اذا شربت هذا الماء بعد أن اقرأ القرآن؟
قالت100، واضافت «تعرفين احد يساعدني»؟
واندهشت من السؤال، فهذه أم (س)، التي تزعم قدرتها على مساعدة الناس، تطلب مساعدة الآخرين.
ولماذا لا تساعدي نفسك بالقرآن، أو بالماء والزيت؟
قالت... «... مثل ما اساعد الناس سوف يرسل لي الله من يساعدني».
الودع
وإذا كانت أم (س)، لا تحدد مبلغا للزوار، فأم (ب)، التي تفتح «الفال بالودع»، تأخذ خمسة دنانير في كل زيارة، ولأن «سوقها ماشي»، فيمكن أن تنتظر اسابيع حتى تستطيع ان تحدثها هاتفيا.
فتحت لنا الخادمة الباب وسألتنا محاولة التحدث بالعربية، هل عندكم موعد؟
نعم.
فصحبتنا إلى غرفة المجلس، وما هي سوى دقائق حتى جاءت أم (ب)... امرأة لم تتجاوز منتصف الاربعين، بسرعة رحبت بنا، وبعملية قالت: «واحدة... واحدة»، ثم سارت متجهة إلى غرفة وانا اتبعها، واغلقت الباب خلفنا.
وجلست واخرجت مجموعة من الودع من علبة، واعطتني العلبة لأضع فيها «الخمسة دنانير» ثم طلبت مني اختيار ودعة تشبه زوجي، بعدها اخذت تلقي بالودع عدة مرات وتقول لي اشياء ماضية، ومستقبلية، ولم اندهش عندما اخبرتني أم (ب) بأشياء حدثت بالفعل، لأن الصدفة يمكن ان تتحقق دائما.
ولكنها حاولت ان تؤكد ان ما قالته عن المستقبل سوف يتحقق وقالت «عندما يتحقق، تعالي لي».
وفتحت الباب «وصوتت على الخادمة، لتأتي بها بصديقتي الجالسة في المجلس»، وكأنها تقول... «اللي بعده».
يطلّع العفاريت
يقولون انه يتصل بالجان، وانه يستطيع معرفة الماضي والمستقبل، وإن له قدرات خارقة تحقق المستحيل، (ش)، خليجي الجنسية، يسكن في أحد «فرجان» القضيبية في بيت متهالك، وحتى تصل إلى باب البيت لابد أن تصعد سلما خشبيا تشعر به سينهار تحت قدميك من شدة تآكله، وما ان تفتح الباب إلا وتجد «سطحا» وتشم رائحة «طبخ»، اثنان من الخدم يقومان بالمهمة على أكمل وجه، أحدهما آسيوي، والآخر خليجي، وهناك باب آخر يقودك إلى مدخل البيت، على المدخل وضعت طلاسم بأشكال مختلفة، وفي المدخل عدد من اقفاص الطيور الجارحة. ثم مدخل آخر مظلم به ستارة قديمة، ومتسخة، والحقيقة ان البيت وكر للقذارة - حتى ان الجني ربما يشرد منه -.
نريد مقابلة (ش)؟
ولكنه مسافر - هكذا اجاب الخادم الخليجي.
- ومتى يعود؟
- لا نعرف.
- لدينا مشكلات فهل تعتقد ان (ش)، قادر على حلها.
- إذا كانت نيتك صافية، سوف يحل مشاكلك، أما اذا كان لديك وساوس فلن تحل.
- وكم يأخذ (ش) ثمنا للجلسة؟
- خمسون دينارا، وبعد ان يحل لك المشكلة سوف تأتين بطلبات الجن، فليس (ش) من يطلب.
وما ان هممنا بالانصراف حتى قال الخادم «عندك دينارين...؟، ثمن للاستشارة».
عاودنا الاتصال أكثر من مرة به، وفي كل مرة يقولون لنا «لا يزال مسافرا».
حديثا اتصلنا به، ووجدناه عاد من السفر، قال «خير».
(عندي مشكلة).
قال «ليس لي علاقة بحل المشكلات، ولكنني أعالج المرضى فقط، من أرشدكم عليّ»؟
(ناس، أتوا إليك).
«من هم»؟
اضطررت أن أغلق السماعة، وأنهي الاتصال.
ولا تزال هناك الكثير من صفقات الوهم التي تعقد علنا، وسرا.
الحلول الغيبية
لماذا يلجأ بعض الناس إلى السحرة، وقارئات (الفال)، والودع لحل مشكلاتهم؟، هل هي مسألة نفسية، أم ان هناك أسبابا أخرى؟، ماذا يقول الطب النفسي في هذه الأسباب؟
يقول مسئول أطباء النواب بمستشفى الطب النفسي، الدكتور علي الفرج: «أسباب إقبال البعض على حل مشاكلهم عن طريق السحر والشعوذة يرجع إلى عدة عوامل منها، الاعتقادات التي يحملها، لأن الاعتقادات تؤدي إلى تغير سلوك الفرد، وليس أفكاره فحسب، كما لوحظ ان المريض بمرض مزمن يحاول أن يجرب كل شيء، إضافة إلى الطب الحديث يجربون حتى الحلول الغيبية.
أثبتت الدراسات ان مستوى التعليم له دور كبير في حجم الاعتقادات التي يؤمن بها الفرد، وان أصحاب المستوى المتدني من التعليم هم أكثر الناس الذين يؤمنون بالغيبيات، وللعمر دور أيضا في هذه القضية، فكلما كبر المرء في العمر، زاد اعتقاده بالغيبيات».
- وكيف تتعاملون مع هذه الحالات؟
- «لابد أن يضع الطبيب النفسي في اعتباره ان هدفه الأساسي هو معالجة المريض النفسي، وليس مواجهته بمعتقداته، بعض المعالجين المحليين يقومون بوضع معوذة حول المعصم، كنوع من العلاج، وطالما ان هذه المعوذات لا تضر بصحة المريض، نسمح بها.
أما إذا قام المعالج - على سبيل المثال - بضرب المريض أو المريضة كنوع من العلاج، هنا لابد أن نرفض ما يحدث، لما له من تأثيرات سلبية».
وعلى رغم اننا نعيش في عصر التقنيات، فلا يزال اليأس يحرك بعض الناس، ويدفعهم إلى التشبث بالغيبيات، عشرات الأسئلة تلح علينا، لماذا انحسر الإيمان لدى بعض الناس؟ لماذا يصر البعض على (تعليق شماعتهم) على المجهول؟ لماذا نفكر في كل الأسباب الغيبية وننسى أنفسنا؟
تظل الأسئلة حائرة، ويظل هناك من يستفيد من حيرتنا
العدد 45 - الأحد 20 أكتوبر 2002م الموافق 13 شعبان 1423هـ