يحتفل حزب «جبهة التحرير الوطني» الجزائري بفوزه في الانتخابات. فالحزب الآن فرح بنفسه، فهو جدد الفوز بالسلطة لمدة اربع سنوات اضافها على 40 سنة احتكر خلالها الدولة من دون شريك.
على مقربة منه... على الحدود الغربية، هناك المغرب. المغرب ايضا يحتفل بفوزه. ففي المغرب، وقبل اسبوع من الجزائر فازت الديمقراطية. والفارق الاول بين الفوزين ان «حزب التحرير» جدد احتكار النخبة وهيمنتها على مقاليد الحكم بعد ان الغى كل المنافسين الحقيقيين من جدول الترشح بينما في المغرب جرى التنافس ضمن شروط افضل، فتوزعت السلطة التشريعية على ثلاث قوى: وطنية، واشتراكية، واسلامية.
والفارق الثاني ان الاول يرى في احتكار الفوز الشرط التاريخي للانتصار. فالنخبة الجزائرية قامت تاريخيا على فكرة التفرد بالقرار ورفض المشاركة او التشاور حتى في فترة النضال ضد فرنسا من اجل الاستقلال.
بينما الثاني يرى في تعدد الاطراف والمشاركة في الفوز الشرط الضروري للاستمرار. فالنخبة المغربية تكونت تاريخيا ضمن شروط سياسية اسهمت في صوغ بنية تعددية من الصعب اختصارها في دائرة فكرية واحدة. صحيح ان هناك مواجهات دائمة بين الدولة والمجتمع الا انها لم تصل إلى حد الغاء الدولة دور المجتمع او احتكارها الكلي وسيطرتها الشاملة على كل مراكز القوى. الدولة المغربية (الملكية الدستورية) كانت دائما تبحث عن حليف لها في المجتمع يشكل السند الشعبي لسياساتها العامة. وحين يضعف حليفها الشعبي تستبدله بآخر من دون ان تلجأ إلى القطع مع نبض الشارع وطموحاته. فالقطع، كما هو حاصل في الجزائر، يعزل السلطة عن الناس والنخبة عن المجتمع ويؤدي تاليا إلى الاحتكار او الى الاستبداد السياسي.
الجزائر دولة غنية بالمعادن والثروات، والمغرب من الدول الغنية في الكثير من القطاعات مع ذلك نجد ان البلدين يعيشان في ظـروف اقتصادية صعبة، وان الديون التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات ارهقت البلدين الجارين ووضعتهما في لائحة الدول النامية (الفقيرة).
واساس المشكلة هي النخبة السياسية. فالاولى (الجزائرية) تخاف من الثانية ولا ترى في تجربتها التعددية النموذج المطلوب. والثانية (المغربية) تخشى الاولى بسبب اضطرابها النظري وعدم استقرارها على فكرة تعطي نفسها ما تعطيه لغيرها. والنتيجة الحرب الحدودية الدائمة تحت مسميات مختلفة إلا ان حقيقتها تتلخص في اختلاف مزاج النخبة واسلوب تفكيرها السياسي وتقنيات ادارتها للدولة وتعاطيها مع هيئات المجتمع ومنظماته المدنية والاهلية.
وفي المقارنة بين النخبتين تميل كفة الحسنات إلى جانب المغربية. فالشروط التاريخية لنشوء النخبة المغربية تختلف في تكوينها السياسي في فترة مواجهة الاستعمار عن تلك الشروط التي عايشتها النخبة الجزائرية.
في المغرب كانت التعددية (منذ ثورة الريف بقيادة المجاهد عبدالكريم الخطابي) شرط المواجهة العامة. وفي تلك الدائرة النضالية تمت المصالحة التاريخية بين الحداثة والتقاليد ونسجت تسوية بين القوتين الحداثيتين المستوردة والموروثة.
في الجزائر حصل العكس، وكان احتكار القرار السياسي هو شرط المواجهة. ويعرف عن «جبهة التحرير الوطني» انها رفضت كل مشاركة وقمعت كل محاولة لتشكيل نواة سياسية موازية. ويعرف عن قيادة الجبهة انها اسهمت في تنظيم سلسلة مجازر ضد كل القوى الموازية لها في داخل التنظيم وخارجه في فترة النضال ضد الاستعمار الفرنسي. كانت ذريعة جبهة التحرير ان ظروف المواجهة لا تسمح بالتعددية او التنوع، وان السماح لأطراف اخرى بالنمو والمشاركة في التشاور يفسح المجال امام «اطراف مجهولة» للدخول او التسلل إلى قيادة الثورة الامر الذين قد يؤثر في خلخلة القرار المركزي.
تذرعت جبهة التحرير بالظروف التاريخية ومعركة الاستقلال لتبرير مركزية القرار ورفض التعدد وقمع كل محاولة للتفكير خارج الاطار المركزي للقرار. وحين ذهبت الظروف ورحلت فرنسا واستقلت الجزائر عن الاستعمار استمرت العقلية نفسها التي تكونت في ظلالها النخبة السياسية. ولم يكن من الصعب عليها اختراع المزيد من الظروف والذرائع لتبرير استمرار سيطرتها على السلطة واحتكارها للدولة وقمع كل وجهة نظر مخالفة ومنافسة لها في المجتمع. وما يحصل في الجزائر ليس بعيدا عن تلك الشروط التاريخية التي تكونت في ظلها النخبة في فترة معركة الاستقلال.
احتفلت المغرب بفوز الديمقراطية والجزائر بفوز حزبها والفارق بين الاحتفالين يعود إلى الافتراق في اصل التكوين التاريخي واختلاف ظروف نشوء كل نخبة عن الاخرى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 39 - الإثنين 14 أكتوبر 2002م الموافق 07 شعبان 1423هـ