قبل عدة أعوام شرعت مجموعة من الشخصيات الكويتية بتأسيس مجلس يضم في عضويته جميع أعضاء مجلس الامة السابقين ومعهم جميع الوزراء السابقين والشخصيات التي كان لها دور في الحياة الكويتية العامة. والهدف من تلك الفكرة كان تكوين هيئة حوارية واستشارية طوعية يرجع إليها من يحتاجها من سلطات الدولة الثلاث بالاضافة إلى الفعاليات السياسية الأخرى. وعلى رغم أن تلك الفكرة لم تتحقق فإن المجتمع الكويتي وديوانياته يوفر مجالا حواريا للتفاهم بين اطراف المجتمع وبين الدولة والمجتمع.
وكذلك الحال في بلدان اخرى، اذ توجد مجموعات تتواصل فيما بينها وتبرز اهميتها عندما تمر الامة بإحدى المشكلات أو تحتاج الفعاليات السياسية إلى حوار غير رسمي حول مختلف الشئون العامة. وفي بريطانيا ايضا توجد هيئة استشارية بين الحكومة والنقابات يتم الرجوع اليها لحل الاشكاليات قبل ان تتطور الامور اكثر مما يجب. فكثير من الاحيان تتصاعد الحالة السياسية لا لشيء إلا لأن الاطراف المختلفة لم تستطع الحديث مع بعضها بعضا في الوقت الحرج.
والحاجة إلى الحوار في الوقت الحرج موجودة دائمة. إلا ان كل طرف يتحرج من اتخاذ الخطوة الاولى لكي لا تحسب عليه سياسيا. ومثل هذا الحرج كاد ان يسبب حربا عالمية ثالثة في الستينات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة حول ازمة صواريخ كوبا. اذ لم تكن هناك وسيلة للحوار بين الطرفين، من دون ان تحسب على واحد منهما بصورة سلبية. وبعد تلك الازمة اتفق الطرفان على «الخط الساخن» وعلى وسائل اتصالية بين الطرفين تستخدم وقت الضرورة.
وكذلك الحال في وضعنا السياسي البحريني، نرى الحاجة المستمرة إلى وجود وسائل محايدة لايصال الرسائل واجراء حوارات غير رسمية لكي يتم استيضاح القضايا قبل اللجوء إلى اتخاذ مواقف تصعيدية.
وهناك الآن مجموعة من الفعاليات الوطنية تحاول تشكيل وسيلة تفاهمية يتم من خلالها التواصل بين مختلف الاطراف وبين القيادة السياسية والاطراف الفاعلة في الساحة. ونجاح هذه المحاولة سيعتمد على حصافة القائمين عليها. فلو حافظوا على استقلالية وحيادية وعدم تدخل المجموعة كطرف من الاطراف فإن بامكانهم تحقيق ما نحتاجه على الساحة السياسية حاليا.
ان وجود مثل هذه المجموعات الطوعية لايصال الرسائل وللتواصل بين مختلف الاطراف مهمة صعبة للغاية. فكثير من الذين قد يشاركون في هذا الامر هم انفسهم اطراف بحاجة إلى إيصال رسائلها، ولذلك ينبغي الدقة والحذر في طريقة التعامل مع مثل هذه المهمة.
وفي اعتقادي لو ان مثل هذه المجموعة وجدت، وكان لمثل هذه المجموعة احترام معنوي من مختلف الاطراف لكان بالامكان تحاشي كثير من القضايا التي ادت إلى سوء التفاهم الذي تطور منذ فبراير/شباط الماضي لينتج عنه مقاطعة عدد من الجمعيات السياسية للانتخابات النيابية.
فالمجموعات الطوعية التي توصل الرسائل وتبدأ حوارات غير رسمية تمكن الجميع من الوصول - قدر الامكان - إلى الافكار التي تقرّب وتزيل الشكوك وتفسح المجال امام مزيد من التعاون من اجل الاهداف المشتركة والمصالح المشروعة، وتقلل بذلك من احتمالات التصعيد.
ولكي يتحقق وجود ونجاح مثل هذه المجموعة فانها يجب ان تكون محايدة (وليست طرفا) ويجب ان ينظر اليها كل طرف باحترام وتقدير. واذا لم يتحقق الحياد ولم يوجد الاحترام والاعتبار فإن وجودها سيكون عبئا على نفسها وعلى غيرها. ذلك لأن العمل السياسي والاجتماعي في تطور سريع، وعدد الجمعيات الاهلية التي تمثل مختلف المصالح أصبح كثيرا ويصعب على المرء غير المتخصص متابعة ومعرفة كل هيئة ومن تمثل ولماذا وجدت اساسا. وهذا التطوير السريع ظاهرة صحية ووجود مجموعة طوعية للحوار بين مختلف الاطراف ستكون ظاهرة صحية ايضا شريطة ان لا تتحول إلى جمعية وطرف بحد ذاته. وهذه المجموعة بإمكانها ايضا ممارسة اصلاح ذات البين بين الجمعيات وعندما تتعسر الامور
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 39 - الإثنين 14 أكتوبر 2002م الموافق 07 شعبان 1423هـ