العدد 37 - السبت 12 أكتوبر 2002م الموافق 05 شعبان 1423هـ

ذكرى الهيئة ذكرى توحُّد الشيعة والسنة لأجل الوطن

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

في ولوجنا لأي نفق طائفي، في دخولنا لأي كهف شوفيني بغيض تطلع علينا إضاءة حضارية تحمل ثقل التاريخ البحريني الاصيل، ثقل النضال، وصورة التوحيد الطيفي لأجل مجتمع يقوم على انتماء الأرض، واحترام الإنسان، وصدق الشعور لمطالب أمة بأكملها عرفت حقيقة الاستعمار الإنجليزي الذي جثم على أرضنا سنينا وزرع في أحشائها - استكمالا للتاريخ القديم - جنين التفرقة بين الشعب الواحد، وزاد حدّة التقسيم الكئيب كما في الثنائية (السنية والشيعية لا يلتقيان) على قاعدة نار (فرق تسد).

تطل هذه الاضاءة التي اوقدها شعب عرف بالتسامح، والمحبة ونبذ الفرقة، تطل هذه الاضاءة (هيئة الاتحاد الوطني) الحبلى بالتاريخ البحريني المجيد وهي قائمة على أعمدة ورجال حفروا تجربتهم في الصخر، وقاوموا كل الوان التشهير التي مارسها المستشار البريطاني تشارلز بلجريف في حقهم، وكل انواع الضغوط، في سبيل ان يحيا شعب البحرين شعبا واحدا لا يرى في الفروقات المؤدلجة، ولا في الاختلافات المذهبية مبررا للاستعداء والتوحش او التكفير او الاستقطاب الطائفي ضد الآخر. في سبيل ان يحيا شعب البحرين شعبا واحدا انطلقت هيئة الاتحاد الوطني لتسجل موقفا وطنيا لامعا مازال في سماء البحرين على رغم مرور 48 عاما على هذه الذكرى وعلى رغم التلاعب في التاريخ النضالي الذي صنعوه من قبل بلجريف عندما اراد تشويه الهيئة في مذكراته إذ وصفها (بالتآمر) قائلا: «نظر إليها البحرينيون الذين يشعرون بالمسئولية بالكثير من الارتياب والحذر...» وكان هذا المستعمر الانجليزي يصف قادتها، ويشكك في مقاصدهم فيقول: «لكنني لم اثق في الرجال الذين يقودونها لأنني اعرف انهم لم يتحركوا بدوافع المصلحة العامة وحب الغير...». المصدر:مذكرات بلجريف.

وهي شهادة عكسية، فعندما يرفض الاستعمار رجالا ويحاربهم فذلك يزيد من صدقيتهم، وهذا يذكرني بقول احد رجالات المسلمين: «علينا ان نعلن الحداد على انفسنا إذا جاء اليوم الذي فيه تمتدحنا الولايات المتحدة الأميركية» وان ذم بلجريف كان شهادة وطنية لكل هؤلاء الرجال.

على رغم مرور 48 عاما مازال الحدث يشد البحريني الى مزيدٍ من الوحدة الوطنية والتكاتف لنبذ النزعات الطائفية، والتوحد والالتفاف حول قواسم مشتركة كثيرة ابتداء من الولاء الوطني، والتشبث بالارض، مرورا بتغليب المصلحة العامة للمواطن البحريني، وانتهاء بالايمان بسيادة الارض، وحفظ الامن القومي والمصلحة الوطنية العليا، وكلها قضايا متداخلة ومركبة ساعدت على تشكيلها في عقل الجمهور الهيئة ورجال يشعر المرء بالفخر بهم وهو يقلّب صور التاريخ فيرى صور هؤلاء الابطال الثمانية وغيرهم في توحدهم والتفافهم حول المطالب الشعبية وارتفاعهم عن الاطر الضيقة، والشرنقات الطائفية القديمة، صورة الافق الواسع، والعمق الفكري، والتطلع الاستراتيجي لمستقبل هذا الشعب. كم هو عظيم ان تقرأ تاريخك فتجد رجاله بهذه الضخامة من التطلع والطموح، عبدالرحمن الباكر ببزته والسيد علي السيد ابراهيم بعمامته، وعبدالله ابوذيب، ومحسن التاجر، وابراهيم فخرو وعبدالعزيز الشملان، وعبدعلي العليوات... معهم الشعب الذي ساندهم ودعمهم. فتنوع العائلات، وأشخاصها بامتدادها الطيفي والتعددي يرسم لك مدى وضوح الرؤى لهؤلاء في قراءة مشروعهم ومستقبل شعبهم. فكم نحن بحاجة الى كل هذا التنوع والتقارب حتى نؤسس على ما أسسوا عليه لابنائنا، وأجيالنا المقبلة! وكم هو شيء جميل ولفتة وطنية من عظمة الملك عندما قام بإطلاق اسماء بعضهم على بعض شوارع البحرين! كما ان حضور ممثل عن الملك في المهرجان الوطني الذي اقيم في 10 اكتوبر/تشرين الأول 2002 يدل على مدى وصول قناعة واعتزاز وفخر شعب البحرين كله بتلك المرحلة النضالية.

فقد تركزت المطالب الاساسية لحركة الشعب في تلك المرحلة في الآتي:

1- العمل على تأسيس مجلس تشريعي يستطيع من خلاله الشعب ايصال مطالبه جميعها وذلك عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة.

2- وضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني.

3- السماح بتأليف نقابة للعمال.

4- تأسيس محكمة عليا للنقض والابرام.

وكما هي عادة الاستعمار فدائما ما يصف كل حركة تحررية تحمل هم مطالب شعبية بأنها (ارهابية)، و(غوغائية)، وغير وطنية... وغير وحدوية، وتجزيئية وما إلى ذلك من اتهامات مستهلكة ظاهرها الخير وباطنها تقسيم المجتمع. فقد كان المستشار بلجريف يصف (الهيئة) ورموزها بعدم التعقل: «والرجال الذين قادوا الحركة السياسية التي شغلت وأقلقت البحرين لمدة سنتين وتسببوا في خلق الفوضى والاضطرابات العام 1956، اعتمدوا بصفة رئيسية على التأثير العاطفي واهمال الحقيقة والواقع من دون تحكيم العقل والمنطق... لقد حُشيت عقولهم بالافكار الهدامة»، لقد اراد بلجريف ان يذم فمدح - بعد سيل هذه النعوت - عندما قال وهو يعترف بفاعلية وثمار الهيئة عندما استطاعت ان تفرغ كل الصور التلميعية التي عملت بريطانيا على تشكيلها في عقل الجمهور البحريني عندما اعترف - بلجريف - وهو في سياق الحديث عن افرازات الهيئة وما قامت به: «وبالنسبة للبحرين اهتزت ثقة الشعب بالسياسة البريطانية...). المصدر نفسه ص 386.

لقد بلغ الاجماع الوطني للهيئة قمته عبر اجتماع شعبوي طيفي متنوع، فقد بلغت التوقيعات الشعبية لصالح الهيئة 25 ألف توقيع، فكانت هناك عدة اضرابات حدثت في ذلك التاريخ، لقد استطاع الشعب بأطيافه ووحدته الوطنية ان يضعف السياسة البريطانية في تفريق شعب البحرين لكن الوضع الاقليمي كان يدفع لصالح الاستعمار، لقد وجدت السلطات البريطانية من العدوان الثلاثي على مصر، واضطراب الحوادث في البحرين طريقا للتخلص من هذه الرموز الشعبية والقضاء الكامل على الهيئة فقامت باعتقال قادة الهيئة، وقدمتهم لمحاكمة صورية في البديع في نهاية 1956 وحكمت على الباكر والشملان والعليوات بالسجن 14 عاما إلا انها قامت بنفيهم بعد ذلك الى جزيرة سانت هيلانة وهي جزيرة واقعة في المحيط الاطلسي.

لم تكن النهاية هذه... لقد انتهى بلجريف ورحل عن هذه الارض تاركا وراءه صورة قاتمة أخرى لبشاعة وعدم انسانية الاستعمار البريطاني، لكن الذي بقي هي الاضاءات الحضارية والانسانية والحقوقية والوطنية التي رسختها الهيئة في قلب التاريخ وذاكرة الشعب البحريني.

فها هو اليوم يعيد ذكراها ليتخذ منها عبرة التوحد واللقاء ونبذ أشكال التمييز كلها في سبيل شعب يبحث عن مستقبل اكثر اشراقا. وهنا تأخذ الذكرى مرة أخرى لأن نعلم انفسنا ونذكرها دائما بأن قدر المواطن البحريني كتاريخه ان يتوحد وان يرص الصفوف في سبيل الوطن، وان يعزز - كما كان تاريخ رموزه في (الهيئة) وغيرها - كل ولاء وطني يقوم على حب الوطن والقيم الإسلامية في الالتفاف حول المصلحة العامة متوحدا شيعته وسنته لصالح ذلك كله

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 37 - السبت 12 أكتوبر 2002م الموافق 05 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً