العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ

باول يبحث مع وزراء خارجية دول مجلس الأمن مشروع قرار ضد العراق

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية لدفع مجلس الأمن إلى إصدار قرارات جديدة تطلب من العراق تدمير برامج تسلحه أو يتعرض لهجوم عسكري. وتوقعت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة أن يشرع مجلس الأمن الأسبوع الجاري في إجراء مشاورات على مستوى وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية لصوغ مشروع قرار خاص يحدد فترة قصيرة تكون إنذارا للحكومة العراقية لإرغامها على إعادة مفتشي الأسلحة إلى العراق. ومن ثم يعرض مشروع نص القرار على المجلس بكامل أعضائه. وستبدأ هذه المشاورات على مأدبة غداء يقيمها باول لوزراء خارجية فرنسا والصين وروسيا وبريطانيا.

وبينما أوضح وزير الخارجية الفرنسي دومنيك دي فليبن أن يبحث وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مع وزير الخارجية الأميركي الموعد المحدد والإنذار الذي يمكن توجيهه إلى العراق، فإن نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج قال إن إدارته لا تميل إلى التفاوض بشأن قرار جديد، وان مثل هذا القرار يجب أن يصدر «في غضون أيام وأسابيع، وبالتأكيد ليس في غضون أشهر».

وذكرت مصادر دبلوماسية أن باول سيبحث الخطوط العريضة لمشروع القرار في لقاءات منفصلة مع وزراء خارجية الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي: بلغاريا والكاميرون وكولومبيا وغينيا وموريشوس وإيرلندا والمكسيك والنرويج وسورية وسنغافورة.

وتقول المصادر: «إن صوغ مسودة أي مشروع قرار لن يبدأ قبل أسبوع، بعد عودة وزراء خارجية الدول المشاركة في المناقشات العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى بلادهم». وقال أرميتاج: «إن تحديد توقيت سوف لن يكسب أصدقاء لدى البيت الأبيض». وأضاف: «لا أعتقد أن الحكومة (الأميركية) لديها قدر كبير من الصبر، فهي ليست ميّالة كثيرا إلى التفاوض» مطولا بشأن القرارات ضد العراق.

وتراوحت ردود فعل حلفاء الولايات المتحدة على خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي ألقاه الخميس الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والخمسين، وأكد فيه «أن الخيار العسكري أمر حتمي ضد العراق» إلا إذا ألزم مجلس الأمن الحكومة العراقية بتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي مقدمتها تجريد العراق من برامج تسلحه. وأعرب مسئولون أميركيون عن شكهم في جدوى الحصول على تأييد الأمم المتحدة ومدى فائدتها إذا قررت الولايات المتحدة شن هجوم لوحدها على العراق.

وتميّزت ردود الفعل الأوروبية بالحذر والترحيب، وقال وزير الخارجية الفرنسي: إن «الرئيس بوش أكد أهمية العمل الجماعي والمسئول». وأضاف أنه «من دون شرعية، هناك على الدوام مخاطر لزيادة عدم استقرار العالم، وان الشرعية بالنسبة إلى فرنسا هي طبعا مجلس الأمن». وجدد في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة معارضة بلاده أي عمل عسكري ضد العراق لا يقرره مجلس الأمن. وقال: إن فرنسا تريد تحديد جدول زمني صارم لعودة مفتشي الأسلحة إلى العراق مع طرح الخيار العسكري إذا رفضت بغداد.

وقال دي فليبن في تصريحات صحافية في نيويورك: «إن أهدافنا هي أهداف الأمم المتحدة، وهي لا ترمي إلى تغيير النظام الحاكم في العراق، فإذا كان هدف الأمم المتحدة الإطاحة بـ (الرئيس) صدام، فكيف سنتعامل مع الدول الأخرى التي لا يتقبلها المجتمع الدولي؟».

ورحب وزير خارجية كندا بيل غراهام بخطاب بوش، وقال: «إن المجتمع الدولي قد قبِل بيان بوش في دعم الأمم المتحدة وبحماس كبير». وشدد على أهمية وضع الاقتراح أو مشروع القرار للنقاش وبحثه من قبل أعضاء مجلس الأمن.

وأيّد وزير خارجية النرويج كيجل ماني بوندفيك، العضو غير الدائم في مجلس الأمن وجهة النظر الكندية، وقال: إن «الإيجابي في بيان بوش هو أن أي إجراء في المستقبل ينبغي أن ينطلق من الأمم المتحدة، وأشعر أن بيانه يتسم بالتعددية بخلاف ما سمعته من الولايات المتحدة في بيانات أخرى». مضيفا: «من المهم أن تتصرف الأمم المتحدة، ولكن السؤال الأساسي هو بأي اتجاه، وآمل أن تكون النتيجة سلمية».

أما وزيرة خارجية النمسا بنيتا فيريرو فقالت: إنها على اتفاق مع الرئيس بوش. وشددت على ضرورة أن تُنفذ كل «قرارات مجلس الأمن فورا ومن دون شروط».

وشدّد مفوض العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي كريس باتين على أهمية العودة إلى الأمم المتحدة، وقال: «إننا نريد أن نرى التعددية الفعالة كوسيلة فعالة في التعامل مع المشكلة وألا تكون حجة للفشل». وأضاف: «ان الخطوة الأولى المهمة هي الاتفاق على ما يمكن القيام به من خلال الأمم المتحدة». وشاركه في هذا الرأي وزير خارجية إيطاليا سليفو بيرلوسكوني بضرورة أن تلعب المنظمة الدولية دورها في حل المشكلة القائمة مع العراق. وشدّد وزير خارجية ألمانيا جوشكا فيشر على الحاجة إلى إيجاد حل قرار سلمي للأزمة القائمة. وجدّد التعبير عن مخاوف «الحكومة الألمانية بشأن المسائل التي لاتزال من دون جواب فيما يتعلق بنتائج التدخل العسكري والمحتمل في العراق».

أما وزير خارجية الكيان الصهيوني، شمعون بيريز فقد علّق على خطاب بوش بالقول: إن «الرئيس بوش فتح الباب لمنح فرصة أخرى للأمم المتحدة لجعل العراق ينفذ». وقال: «إن طموح (الرئيس) صدام حسين ليس السلام... طموحه هو السلطة والغزو».

11 سبتمبر من جديد

هل ستخسر واشنطن الرهان مرة أخرى؟

قد يبدو 11 سبتمبر/ أيلول للوهلة الأولى كسائر الأيام. غير أن الحقيقة مغايرة لذلك تماما؛ إذ أصبح هذا اليوم مدّونا في ذاكرة التاريخ البشري التي سجلت بين ثناياها أهم المنعطفات والمفاصل التاريخية الحساسة التي عصفت بالبشرية عبر العصور. وشكّلت حوادث سبتمبر منعطفا خطيرا ـ إن لم نقل الأخطر ـ في تاريخ العلاقات الدولية. بل إنها أحدثت نقلة نوعية في تاريخ العالم الحديث والمعاصر على حد سواء. كما جاءت الحملة الأميركية المسماة بـ «الحملة الأميركية لمكافحة الإرهاب الدولي» لتصب الزيت على نار العلاقات الدولية المشتعلة أصلا. ولكن على رغم كل ذلك أدرك القاصي والداني أن حوادث 11 سبتمبر لم تكن محض مصادفة أو أنها آتية من فراغ، بل كانت نتيجة محتومة لتفاعلات وتراكمات سابقة لا عدّ لها ولا حصر من الجرائم الأميركية والأنظمة التي تدور في فلك واشنطن أو التي تحذو حذوها عبر العالم، بدءا من نظرية القطب الواحد أو ما تسمى بـ «الأحادية القطبية»، إضافة إلى كل تلك المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين الأبرياء والتي كانت واشنطن دائما بطلة السيناريو فيها، مرورا بالعولمة الأميركية التي تعني ربط اقتصادات أسواق الدول النامية وجعلها في قبضة كبرى الشركات العالمية متعددة الجنسيات، التي يملك كبار قادة الإدارة الأميركية نصيب الأسد منها، علاوة على ما تعنيه العولمة من سلخ لثقافة الحضارات والأمم الأخرى غير المنضوية تحت المظلة الأميركية، وإعادة تعريف الهوية الإنسانية التي تريد أميركا إعادة صوغها وفق نظام مادي بحت، وبالطبع ليس انتهاء بسياسة «العصا والجزرة» التي دأبت على اتباعها.

إن الخطأ القاتل الذي لاتزال إدارة بوش اتباعه حتى الآن هو مكافحة الإرهاب بإرهاب آخر أشد منه فتكا وتنكيلا، لأن ذلك يساعد على تنامي الكراهية الموجهة إلى السياسة الأميركية في شتى أرجاء العالم. وكما يقول علماء النفس والسيكولوجيا: «إن كل فعل خاطئ يوّلد أفعالا خاطئة تتساوى معه في القوة وتخالفه في الاتجاه»، وبالمحصلة يمكن القول: إن الإدارة الأميركية لم تنجح في حملتها للقضاء على ما تسميه بالإرهاب ما لم ترتقِ إلى مسئولياتها أمام القانون والشرعية الدولية.

إن حوادث سبتمبر ـ وإن لم نتفق بالضرورة معها ـ قد أثبتت وبالدليل القاطع الفشل الذريع الذي آلت إليه السياسة الخارجية الأميركية منذ عقود، فهذه القوة الاقتصادية والبشرية ذات الإمكانات العملاقة، التي يبلغ ناتجها القومي أكثر من عشرة تريليونات دولار سنويا استطاعت من خلالها الولايات المتحدة بسط نفوذها والتربع على عرش العلاقات الدولية ومؤسساتها وهيئاتها الأممية كلها أيضا، بدلا من أن تستثمر أميركا كل إمكاناتها الهائلة في إحلال العدل والمساواة والحرية ونشر ثقافة الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان... تراها فضّلت السير في التيار المناوئ لذلك تماما... ذلك التيار المتمثل في إضعاف وإنهاك باقي الحضارات والأيديولوجيات الأخرى، التي قد لا تتفق بالضرورة معها في رؤيتها الدولية التي بادرت هي بإنشائها كالأمم المتحدة، ولم تكن منظمة اليونسكو الأولى وربما لن تكون الأخيرة التي بذلت الإدارة الأميركية كل ما بحوزتها لإنهاكها أو حتى القضاء عليها كليا متى ما سنحت الفرصة لها بذلك، لأنها ـ أي اليونسكو ـ قد حاولت ذات يوم الدفاع عن دول وحضارات أحست بالانسحاق أمام المارد الأميركي.

أمّا الآن وبعد مضي عام كامل على تلك الحوادث، وبدلا من أن تعيد الإدارة الأميركية مراجعة حساباتها من جديد حول تلك الحوادث لكي تتمكن من التعرف على الدوافع والأسباب الحقيقية التي دعت مجموعة من الشباب ذوي المؤهلات الأكاديمية العليا والذين مازالوا في مقتبل أعمارهم إلى الانقضاض على الولايات المتحدة بالشكل الذي رآه كل العالم. ولكن بعد عام كامل على تلك الحوادث سارعت الولايات المتحدة في البحث عن مسوغات وذرائع جديدة حتى تعد العدة لشن هجوم عسكري على العراق، كما أنّ الشواهد والحقائق الحالية تثبت أن العراق لن يكون سوى نقطة البداية، لأن مآرب الإدارة الأميركية لا تقف عند حدود، حيث إن المطلوب أميركيا ليس تغيير الخريطة السياسية في العراق وحده، إنما خريطة الشرق الأوسط برمته، وربما يكون هذا السبب وراء معارضة حلفاء واشنطن من العرب لضرب العراق.

إنّ من الضرورة بمكان الإقرار بأن العالم اليوم بحاجة ماسة وأكثر من أي وقت مضى إلى نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، تتوازى فيه القيم مع الحضارة. وباختصار شديد يمكن القول إننا بحاجة إلى نظام دولي مختلف كليا عمّا كان عليه نظام ما قبل 11 سبتمبر الذي تهاوى مع سقوط مركز التجارة العالمي في قلب مانهاتن. وأخيرا يمكن القول إن الكرة لاتزال في الملعب الأميركي، وان الفرصة مازالت سانحة. فهل يا ترى سوف تحسن واشنطن الاختيار؟

البحرين - حيدر محمد علي

العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً