العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ

انتخابات 1992 اللبنانية: المقاطعة المسيحية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في 20 سبتمبر/أيلول الجاري يقفل باب الترشيح على الانتخابات البحرينية والنقاش بين الجمعيات الأهلية لم يستقر على موقف نهائي من المقاطعة أو المشاركة.

المشاركون عندهم تبريراتهم. المقاطعون عندهم ذرائعهم. وبينهما هناك من يرى أن موقف المشاركين من دون تحفظ غير صحيح باستثناء فكرة المشاركة. وهناك من يرى أن موقف المقاطعين يحمل عناصر وملاحظات سليمة باستثناء فكرة المقاطعة، التي لم تعد مفهومة عند بعض المراقبين.

ولجمع أجزاء الصورة لابد من تحديد النماذج واستخلاص الدروس منها لاستنتاج السلبيات والإيجابيات ولترجيح كفة على أخرى.

في لبنان حصل ما يشبه حال البحرين اليوم. كان ذلك في العام 1992 حين قرر المسيحيون مقاطعة الانتخابات النيابية، وكانت الأولى بعد غياب البرلمان عن الساحة السياسية قرابة 20 سنة.

كانت ذرائع المقاطعين قوية وتتضمن الكثير من العناصر الواقعية والملاحظات القانونية. وتمسك المقاطعون بمواقفهم التي تراوحت بين اخراج الجيش السوري من لبنان وتطبيق «اتفاق الطائف» بحذافيره وكل بنوده وصولا إلى الاعتراض على التعيينات في الوظائف الأولى (تعيين برلمان 1991 مثلا) وانتهاء بصلاحيات رئاسة الجمهورية وغيرها من المسائل الحساسة التي كان بعضها من أسباب الحرب الأهلية وبعضها الآخر كان من نتائجها.

لم توافق الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية على شروط المقاطعة فاستمرت القوى السياسية على رأيها واتجهت الانتخابات إلى الانقعاد في موعدها المحدد.

قبل الاقتراع بأسابيع انتهز بعض الوصوليين الفرصة فوجدوا في المقاطعة «مناسبة تاريخية» لدخول البرلمان. وفاز هؤلاء بمقاعد غيرهم ودخلوا المجلس النيابي وهم عناصر لم تحلم في حياتها دخول المبنى لمسح الغبار عن مقاعده.

... وندم المقاطعون على ضياع فرصتهم في القبول بالحد الأدنى لتطويره توخيا للوصول إلى الحد المطلوب من دون الاخلال بالتوازنات المحلية.

كان برلمان 1992 محطة مهمة في تاريخ لبنان ليس لأهمية نوابه بل لخطورة قراراته التي كان عليه واجب اتخاذها بعد جمود دستوري اصاب لبنان على امتداد 20 سنة من الاقتتال. ولأن برلمان 1992 هو الأول بعد الحرب وقعت عليه مهمات كثيرة وثقيلة كان لابد من انجازها لتحديد دستورية الدولة وصورة لبنان الجديد ومستقبله.

وهكذا وجد المقاطعون أنفسهم خارج الصورة والمستقبل، لأن النقاش الدستوري يجري عادة ودائما في البرلمان وليس خارجه.

ومرت السنوات الأربع وجاءت دورة 1996. وانقسم المقاطعون إلى تيارين. الأول: راجع موقفه السابق وأكد مشاركته في الانتخابات لقطع الطريق على الانتهازيين الذين دخلوا البرلمان بأصوات تقل عن المئة صوت في منطقة يقترع فيها عشرات الآلاف.

والثاني: أصر على موقفه المبدئي مشترطا تحقيق كل أهدافه السياسية قبل الموافقة على ترشيح نفسه.

كان برلمان 1996 أفضل بكثير من 1992. وجاءت دورة سنة 2000 الانتخابية وتكرر الموقف نفسه. ولكن نتائج برلمان 2000 أفضل من السابق. وبقي التيار المقاطع يتقلص حجمه بقيادة الجنرال ميشال عون. وقصة الجنرال عون تخلخلت في العام 1990 حين استقر الوضع الأمني في لبنان في فترة شهدت المنطقة سلسلة تحولات استراتيجية. آنذاك كان جيش العراق في الكويت وأرادت واشنطن توسيع دائرة تحالفاتها الدولية والإقليمية والعربية فاتبعت سياسة مرنة مع مختلف الأطراف لإنجاح خطة التحالف الدولي وإخراج صدام حسين من الكويت.

ونجحت الخطة الأميركية بامتياز وبأقل كلفة بشرية وأكبر حصاد مالي جنته واشنطن في مدة قصيرة لا تزيد على تسعة أشهر.

مقابل هذا الربح العسكري - الاقتصادي على المستوى الاستراتيجي قبلت واشنطن بخسائر سياسية محدودة على المستوى التكتيكي... ومن بينها سحب الغطاء عن الجنرال عون في لبنان.

... وطار عون من القصر الرئاسي في بعبدا وحط في باريس، وهو لايزال هناك محاولا العودة بطرق شتى من دون جدوى.

الآن وبعد مرور أكثر من 12 سنة على مغادرته لبنان يحاول الجنرال المراهنة مرة أخرى على المتغيرات الدولية في المنطقة (ضرب العراق واضعاف سورية) للانتقام من خسارته السابقة. أي أنه يريد العودة على أنقاض المنطقة ودمارها وخراب لبنان بعد «خراب البصرة».

... ولكن من قال إن السياسة تسير بهذا السياق البسيط فالمعادلات السياسة مركبة الحسابات وهي غير المعادلات الحربية في ساحات القتال. في السياسة هناك مجالات للتنازل والمساومة، بينما الحرب فإن حساباتها: الهزيمة أو الانتصار.

وفي النهاية «أهل مكة أدرى بشعابها».

وليد نويهض

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً