ماهي حجة الحرب ضد العراق؟ مازال العالم ينتظر الملف الذي وعدت بتقديمه الحكومة البريطانية ضد النظام العراقي. ولكن إذا كانت المعلومات التي نشرها البيت الأبيض هي الدليل لذلك الملف، فإنه لا يحتوي إلا على القليل من المعلومات الجديدة. فالخطوط العريضة كانت معروفة مسبقا، بحيث رددها الرئيس بوش أمام الأمم المتحدة في اليوم نفسه الذي نشر فيه البيت الأبيض معلوماته، لقد تحدى العراق قرارات مجلس الأمن... وصدام حسين رجل شرير استخدم اسلحة الدمار الشامل فيما مضى... فقد سمم بالغاز 5000 شخص في قرية حلبجة الكردية في العام 1988 ويسعى بكل جهده لتطوير أسلحة نووية، وإذا لم يُوقف ذلك، فإن العالم الذي هزته هجمات القاعدة في نيويورك وواشنطن العام الماضي بات في خطر عظيم!
ومع ذلك، يشير المراقبون إلى ان غالبية هذه الاتهامات تنطبق أيضاِ على دول أخرى . فقد خرقت إسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 242 منذ العام 1967، وضمت هضبة الجولان والقدس الشرقية ووسعت المستوطنات في كل أنحاء الضفة الغربية وغزة، ولم تفعل الولايات المتحدة شيئا يذكر لمعارضة ذلك تاركة الأمر لتهديد العمل العسكري وحده. وفي الواقع أن أحد الأسباب الرئيسية للتهديد بضرب العراق و الخطر المحتمل على إسرائيل هذا التناقض أثار حفيظة العالم العربي وشجع قيام تنظيم القاعدة، ولكن الولايات المتحدة أخذت تطالب بـ «تغيير النظام» ليس في إسرائيل ولكن لدى الفلسطينيين. فقد دعت الولايات المتحدة علنا إلى إزاحة عرفات كرئيس للسلطة الفلسطينية. ومن السخرية، أنه ليس هناك شك في ضمان انتخابه في يناير/كانون الثاني المقبل، على رغم تزايد السخط الفلسطيني تجاهه.
وفي غالبية دول المنطقة كثيرا ما تقارن إسرائيل بالعراق. ولكن ماذا عن كوريا الشمالية، شريكة بغداد في «محور الشر» الذي ادّعاه بوش؟ هي أيضا نظام يتحدى المجتمع الدولي، دخلت في حرب مع الغرب وتدعم الإرهاب. وهي أسوأ من العراق لأنها تملك أسلحة نووية - وهذا في الواقع هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تعامل كوريا الشمالية معاملة مختلفة.
ولكن لعلم الأميركيين بأن بيونغ يانج ستترك شبه القارة الكورية واليابان أرضا قاحلة بالطاقة المشعة فإن ذلك لا ييسر لهم توجيه التهديدات إليها. وقد تُرك الأمر للكوريين الجنوبيين ليحاولوا اقناع جيرانهم بالتصرف عقلانيا. ولكن إذا كان هناك احتمال باستخدام أسلحة الدمار الشامل في مكان ما الآن، فإنه جنوب آسيا. فقد أعلنت كلٌ من الهند وباكستان أنهما قوتان نوويتان، ودخلتا في ثلاث حروب منذ استقلالهما في العام 1947، مرتان بسبب كشمير. وكانتا أقرب إلى المغامرة بدخول حرب أخرى مطلع العام الجاري. ولكن الولايات المتحدة، التي احتاجت إلى دعم باكستان عندما حاربت في افغانستان، لوّحت بفرض عقوبات بسبب برنامج إسلام أباد النووي. وستطبق سياسة مماثلة على الهند.
وحتى من دون اسلحتها النووية، فإن الهند وباكستان (تمثلان تهديدا) كقوتين كبيرتين تسعيان إلى زيادة قوتهما العسكرية. ولكن إذا كان تغيير الأنظمة هو الخيار المطروح أينما وجد حكام طغاة وأشرار، فإن البعض يتساءل: لماذا لا يكون تغيير النظام في زيمبابوي؟ لقد ازداد اضطهاد روبرت موغابي سوءا إلى درجة أن نصف السكان مهددون بالمجاعة، فلو أزاحته الولايات المتحدة بالقوة العسكرية بين ليلة وضحاها، فإن ذلك سيحدّث استياء لدى الدول المجاورة،-ولكنه لا يؤدي إلى مشكلة كما في الشرق الأوسط.
الاقتراح يعتبر سخيفا بالطبع، ولكن لماذا؟ لأن زيمبابوي، مثل كوريا الشمالية، والهند وباكستان، ليست دولة رئيسية مصدرة للنفط، ولذلك تأخذ حيزا ضئيلا في التفكير الاستراتيجي الأميركي. والقول نفسه ينطبق على إيران: المقحمة مع جارتها تحت «محور الشر»، وهي أيضا منتج رئيسي للنفط، وكذلك، حسبما تقول الولايات المتحدة، تسعى للحصول على أسلحة نووية. و عندما كان ينظر إلى صدام بأنه صديق للغرب، فكان ذلك بسبب العداء الغربي للنظام الإسلامي في طهران. ومع أن النظام في إيران ربما يعتبر في نظر الغرب شريرا ومعاديا، لكنه ليس دكتاتوريا على قالب النظام العراقي وكوريا الشمالية. والمجتمع المدني المعترف به يناضل لكي يتطور، وربما يتوحد ضد أي تلميح باعتداء أميركي.
إذن العراق بلد غني بالنفط، محكوم بالخوف والمجازفة ومع ذلك ضعيف عسكريا بحيث تسهل هزيمته. وهذا ما يفرد صدام حسين لمعاملة خاصة، على رغم أن ملف طوني بلير لا يثبت أحقيته لتلك المعاملة.
خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ