العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ

أميركا تمشي في صحراء الدبلوماسية

يجب ألا نستخف بالغضب الذي تحسه الولايات المتحدة الآن، ولا بالتحدي الذي تواجهه قيادتها. وحّد الرئيس بوش بنجاح شعبه خلف العزم على وقف التهديدات الدولية، ولكن في الوقت ذاته يقود أميركا في صحراء دبلوماسية. فهل يمكن ان نذكر اسم دولة واحدة تحسنت علاقاتها مع الولايات المتحدة في العام الماضي؟ كذلك كثيرا ما يظهر وضع الولايات المتحدة وهي مختالة. ولم يأتِ هذا الاختيال من الغضب الذي أثارته هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول فحسب ولكن من التفوق الاقتصادي والعسكري. فقد انفقت الولايات المتحدة في أقل من عشر سنوات 280 بليون دولار على الدفاع، بينما انفق الاتحاد الأوروبي 180 بليون دولار.

هذا التفرد في القوة الاقتصادية والعسكرية دفع السياسة الأميركية إلى حالة من عدم الاتزان.

ونشاهد أيضا براهين كثيرة على ذلك في الأعمال والمال. فقليلا ما تجد وجوها مستبشرة في نيويورك الآن، والقلة التي تبتسم الآن هي تجار الحديد.

وتسعى الولايات المتحدة الآن باعتبارها القوة الاقتصادية العظمى، إلى فرض طريقتها في إدارة الاقتصاد على الآخرين. وقد أُجبرت ممارسات أسواق الأوراق المالية حول العالم على اتباع انموذج الولايات المتحدة تدريجيا، وهو ما أسماه أحد المراقبين «موت رأسمالية الجنتلمان».

وما يحدث اليوم تكرار لما حدث من قبل، فقد أدى التفوق الاقتصادي والعسكري لبريطانيا قبل مئة عام إلى عزلتها الدبلوماسية عندما تعاملت بقسوة مع «مناطق البوير» والبلدان التي خضعت للهيمنة البريطانية.

فهل بلغت الهيمنة الأميركية ذروتها الآن؟ هناك فرق متزايد بين أوضاع الأميركيين والأوروبيين. فالولايات المتحدة صنّفت العالم ببساطة إلى عالم الخير وعالم الشر، بينما يرى الأوروبيون العالم سلاما وتعايشا، وهذا يتطلب فهم عتمة الاختلاف الثقافي والسياسي، والعمل بجد من خلال تطبيق القوانين الدولية تحت إشراف هيئات دولية قوية.

وإذا صغنا ذلك باللغة التي ربما يفهمها بوش، فإن الولايات المتحدة تعلب دور العمدة الذي يطارد الخارجين على القانون، بينما تلعب أوروبا دور رب الحانة الذي يتشوق إلى حلول وقت المساء لبيع الويسكي! وطبعا كل ذلك يتم تحت حماية العمدة!

وإذا أردنا حقيقة مقابلة استبداد السياسة الأميركية، يتطلب منا ذلك ان نعمل في انسجام أكبر في الشئون الدبلوماسية والعسكرية. وعلى صعيد التجارة، بدأ الأوروبيون الوقوف معا، ويجب توسعة ذلك التعاون.

أصبحت الحاجة إلى القيام بذلك حقيقة، وخصوصا مع هذا الجو المشحون. فما يثير القلق جدا هو ما تقوم به الولايات المتحدة. ففي العام الماضي اقلقني جدا أمران أقدمت عليهما، فكيف تتباهى أي ديمقراطية متحضرة، في مؤتمر صحافي، بكيفية إساءة معاملة أسرى الحرب؟ وكيف تطالب باعفائها لوحدها من التوقيع على معاهدة دولية جديدة عن جرائم الحرب؟

هذه الدولة تحتاج إلى إعادة التفكير في مواقفها.

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً