العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ

العسيري كان إمام مسجد في «تبوك» وعضو هيئة الأمر بالمعروف ولا علاقة له بالقاعدة

«الوسط» تلتقي أقارب الموقوفين السعوديين بالمغرب

يكثر الحديث عن وصف العصر الحالي بعصر المعلومات، وهذا الوصف على رغم صحته فإنه لا تزال معانيه غير واضحة. تقسيم العصور - وتوزيع مسميات عليها - نهج اتبعه علماء الاجتماع لتوفير منهجية علمية أو أيديولوجية من أجل فهم حركة التاريخ. كارل ماركس - مثلاً - قسّم التاريخ (بصورة أيديولوجية) إلى خمس مراحل. وقال: إن المرحلة الأولى التي مرت بها الإنسانية هي مرحلة المشاعة، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة الإقطاع، وبعدها مرحلة الرأسمالية، وبعد ذلك مرحلة الاشتراكية، وخامس تلك المراحل هي الشيوعية عندما تنعدم الطبقية وتنعدم وسائل سيطرة الإنسان على الإنسان. هذا التقسيم لم تثبت صحته بل إن هناك ارتدادات من الاشتراكية إلى الرأسمالية، كما حصل في الاتحاد السوفياتي وبولندا، كما انه لم تثبت علميته التي آمن بها الاشتراكيون القائلون بالاشتراكية العلمية. فالعامل الاقتصادي وآلة الانتاج عندما تطورت لم يجعلا الناس يتجهون إلى الشيوعية، كما توقع ماركس. هناك تقسيمات أخرى (غير ايديولوجية) للتاريخ، وربما أوسعها تلك التي قسمت المراحل التي مرت بها البشرية بصورة وصفية. بمعنى انها تنظر إلى ما جرى في التاريخ، وما يجري حاليا، ثم تطرح وصفاً له. ومن التقسيمات الوصفية تلك التي تنظر إلى حركة المجتمعات الانسانية وكيف انها تطورت مثلاً، من العصر الزراعي الذي امتد آلاف السنين حتى منتصف القرن الثامن عشر. ففي منتصف القرن الثامن عشر بدأ عصر جديد، وهو العصر الصناعي، حين اخترع الانسان الآلة البخارية، ثم توالت الاختراعات الكبرى مثل القطارات، والكهرباء والسيارة وغيرها من الاختراعات التي طورت الحياة الانسانية. هذا العصر الصناعي استبدل المصنع بالحقل/ المزرعة، واستبدل صاحب المال (الرأسمالي) الذي يستطيع شراء الماكنة ودفع أجور العمال وجني الارباح بصاحب الأرض (الاقطاعي). في العصر الصناعي لم تعد الزراعة تمثل النسبة المهمة في الاقتصاد، بل ان المجتمعات الاقتصادية المتطورة حققت اكتفاءها الذاتي من الغذاء وأصبحت تصدر الباقي إلى الخارج ومع ذلك فإن الزراعة تمثل حوالي 5٪ من الانتاج الوطني. هذا العصر الصناعي استمر في الدول الصناعية المتطورة حتى منتصف القرن العشرين (قرابة القرنين)، ثم ظهر عصر آخر. هذا العصر يعتمد على المعلومات وتكنولوجيا المعلومات، هذا العصر المعلوماتي تسلم القيادة من الماكنة وسلمها إلى النظم الالكترونية التي تتحكم بالماكنة وبالمصنع وبكل مجال من مجالات الحياة. عصر المعلومات حوّل مركز الثقل من المصنع إلى جهاز الكمبيوتر «بعد أن كان العصر الصناعي قد نقل مركز الثقل من الحقل إلى المصنع». وبخلاف العصر الصناعي الذي كان يسيطر عليه صاحب المال، فإن الذي يسيطر على الاجهزة الالكترونية والبرمجة والأنظمة المعلوماتية DATABASE SYSTEMS هم أصحاب العقول، وأصحاب العلم وأصحاب الذكاء. هذا التحول دفع الدول المتقدمة إلى الإمساك بتكنولوجيا المعلومات التي حولت العالم إلى قرية صغيرة يعرف بعضها بعضا. العصر الصناعي انتج لنا «الدولة القومية الحديثة» القائمة على سيادة الحدود الجغرافية. أما عصر المعلومات فانه لا يعترف بالحدود الجغرافية «وأصبح يهدد مفهوم الدولة القومية» لأن خطوط الإنترنت والأقمار الصناعية تعبر الحدود الجغرافية من دون الحاجة إلى رخصة أو جواز سفر. العصر الصناعي اعتمد على التجارة التي تنتقل بين البلدان عبر الخطوط البرية والبحرية والجوية. أما عصر المعلومات فقد اخترع خطوطا إلكترونية تسبق سرعتها وإمكاناتها الخطوط البرية والبحرية والجوية. بل إن خطوط التجارة التقليدية لن تستطيع أداء دورها في المستقبل القريب إلا إذا اعتمدت على خطوط التجارة الإلكترونية. إن انتقال الثقل من صاحب المال إلى صاحب العلم والذكاء، ومن يمتلك الذكاء وأدوات وتكنولوجيا المعلومات، أوجد ومازال يوجد مفاهيم جديدة في عالم اللغة والاقتصاد والفكر والسياسة والمجتمع. ما هي المعلومات؟ وما الفرق بينها وبين المعرفة؟ لتوضيح بعض المفاهيم اللازمة، فإن وصف عصرنا الذي نعيشه بعصر المعلومات ليس وصفا دقيقا. بداية، فإن الإنسان يستحصل العلم من خلال رموز (DATA) يتلقاها باستمرار. هذه الرموز كثيرة ومتفرقة وليست مفهومة بسهولة. وعندما نلخص الرموز (حروفا وأرقاما... إلخ) ونحولها إلى معان معينة فإنها تتحول إلى معلومات (INFORMATION). هذه المعلومات لا تتحول إلى معرفة (KNOWLEDGE ) إلا إذا استفاد منها الانسان في عملية اتخاذ قرار. والمعرفة المتطورة والدقيقة هي أعلى درجات المعرفة ويطلق عليها حكمة (WISDOM). إن جهاز الكمبيوتر سهّل عملية تجميع وتخزين وتحويل الرموز إلى معلومات. ولكن جهاز الكمبيوتر لا يكوّن المعرفة. المعرفة يكوِّنها الإنسان ويطورها بالاستفادة من الأجهزة الإلكترونية «وأيضا بواسطة الأساليب التقليدية الأخرى». الحديث عن المعرفة حديث قديم - جديد. فالمعرفة الإنسانية اليوم أصبحت أهم عامل في الاقتصاد والسياسة وغيرهما. وما لم نستطع فهم المعرفة وطرق تكوينها فإننا قد نقع ضحية بحر من المعلومات الهائجة والمتزايدة مع الايام. الفلاسفة يقولون إن عملية إنتاج المعرفة الإنسانية تتم بواسطة اسلوبين اساسيين من الاستخدام العقلي: الأسلوب الأول، هو الاستنباط، والاسلوب الثاني هو الاستقراء. وهناك أساليب أخرى لإنتاج المعرفة الانسانية «أي تمكين الإنسان من اتخاذ قرار في مجالات حياته المختلفة» ولكنها قائمة أو تعتمد في جزء رئيسي منها على خليط من هذين الأسلوبين الأساسيين. ومثالا على ذلك، المناهج الجدلية النظرية «الديالكتيك»، والجدلية المادية، والاستشراق القلبي، ونظرية الانتزاع «انتزاع المفاهيم الثانوية من الأولية»، والوجودية Existentialism، والنفعية Utilitarianism، والبراجماتية «الوصول إلى القرار الصحيح أو الأقل خطأ عبر التجربة الملائمة للظروف الزمانية والمكانية» إلخ... إلا أن جميع هذه المناهج تعتمد في جوانب اساسية منها على الوسيلتين الأساسيتين، وهما: الاستنباط والاستقراء. الاستنباط يمكّن الإنسان من انتاج المعرفة بالاعتماد على مفردات منطقية مسبقة. مثلاً، لو قلنا إنه «لا يمكن الوصول إلى تلك الجزيرة إلا عبر البحر، إذ لا توجد خطوط جوية أو برية». ثم نقول «فلان ذهب إلى تلك الجزيرة». فإنه بالإمكان الاستدلال على أن «فلانا ذهب إلى الجزيرة عبر البحر». هذا المثال البسيط يوضح معنى الاستدلال وطريقته في إنتاج المعرفة. فقد عرفنا أن فلاناً ذهب إلى الجزيرة عبر البحر لأن لدينا «مقدمات» منطقية وثابتة دلت على ذلك. هذا الأسلوب في إنتاج المعرفة سيطر على مناهج التفكير منذ فلاسفة الاغريق «اليونان» قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر الميلادي. وقد طور فلاسفة المسلمين المناهج اليونانية وأدخلوا الجانب التجريبي «الاستقراء»، إلا ان ذلك التطوير توقف لاحقا نظراً إلى الظروف السياسية التي جمّدت الفكر وطرق العلم. ولذا فإن انتاج المسلمين الفلسفي والعلمي انتقل إلى أوروبا قبل قرابة 500 إلى 600 عام عبر اسبانيا وفرنسا ولاحقاً ايطاليا «وهي مناطق قريبة من العالم الإسلامي». الأسلوب الثاني في إنتاج المعرفة هو الاستقراء. والاستقراء يقوم على التجربة الملموسة وعلى استقراء النتيجة من عدد كبير من المشاهدات المحسوسة التي يمكن للإنسان قياسها ودراستها وإحصاؤها. الاستقراء هو الأسلوب التجريبي الملموس والمحسوس والقائم على تحصيل العلوم من خلال التجربة والممارسة. ولذلك فإن الاستقراء يعتمد على العلوم الطبيعية والاجتماعية وعلى مفاهيم الإحصاء التي تتحدث عن الاحتمالات. فالاحتمال يعني أن تصل إلى نتيجة معينة تقول مثلاً انك «تحصل على هذه النتيجة لو توافرت لديك معطيات معينة هي...». هذا الاستقراء يتطور مع تطور التجارب الإنسانية في مختلف العلوم. ومنذ ان ركزت المناهج العلمية على الجانب الاستقرائي في إنتاج المعرفة «من دون إغفال جانب الاستنباط بطبيعة الحال» فإن عملية انتاج المعرفة تطورت بصورة متلاحقة وأوجدت لنا العصر الحديث. إن العملية الاستقرائية تعتمد أساساً على مراقبة وتسجيل الملاحظات حول ظاهرة طبيعية أو اجتماعية معينة. ثم القيام بتعريف وتحديد معالم الظاهرة أو المسألة قيد الدراسة. ثم بعد ذلك اقتراح أطروحة و نظرية لتفسير تلك الظاهرة. ثم اختبار تلك الأطروحة تجريبيا أو مختبريا أو ميدانيا، ثم عرض وتدقيق جميع المعطيات والظروف والعوامل والمصادر التي أحاطت بتلك التجربة لكي يتمكن علماء آخرون من تمحيص النتيجة وتطوير التجربة لاحقاً. عصر المعرفة إذا كانت عملية إنتاج المعرفة تعتمد على وجود المعلومات بصورة وافرة، وإذا كانت عملية الاستقراء تعني التجريب والجانب الملموس أكثر من أي شيء آخر، فإن الملاحظة المهمة هي أن الظواهر الاجتماعية لا يمكن تلخيصها كما يتم تلخيص الظواهر الطبيعية. فالنشاط السياسي - مثلاً - يعتمد على الإنسان وكيفية إدارة شئونه. والإنسان ليس كالأشياء. «فالأشياء» الجامدة والحيوانات والنباتات يمكن إجراء التجريب واساليب المختبر عليها بصورة علمية صارمة، أما الإنسان فليس وسيلة لإجراء التجارب. إنه الهدف الذي من أجله تجرى التجارب. ولذلك فإن المفكرين يطرحون مفهوم الإدارة المعرفية للشئون الإنسانية والتي تعتمد على الجوانب الثقافية والمؤثرات السلوكية على الإنسان. بمعنى آخر، إنها تتعامل مع «الذكاء الاجتماعي» الذي يتكون من مجموعة إنسانية تتعامل مع بعضها بعضا وتشترك في إدارة شئونها عبر وسائل إنسانية لائقة بها. ولتوضيح أهمية الجانب المعرفي في حياة اليوم نشير إلى تقرير دولي صدر في العام 1996م عن منظمة OECD يقول إن أكثر من نصف الإنتاج في الدول المتقدمة خلال السنوات القليلة الماضية اعتمد على الاقتصاد المعرفيKNOWLEDGE BASED ECONOMY - أي ذلك الاقتصاد القائم على العامل الإنساني المتداخل والمسيطر والمستخدم تكنولوجيا المعلومات. وهناك فرق رئيسي بين الذي يشغل هذا الاقتصاد المعرفي وبين الفرد الذي اعتمد عليه الاقتصاد الصناعي. الأخير اعتمد على صاحب رأس المال وعلى العامل الذي يكدح من أجل الحصول على معاش يومي أو أسبوعي أو شهري. أما الاقتصاد المعرفي فيعتمد على أصحاب المهارات وليس أصحاب الأموال، وأصحاب العقول العملية، وهؤلاء ليسوا عمالاً أو موظفين، إنما هم يشتغلون في المعرفة (Knowledge - Worker). على حد تعبير بيتر دركز ومع استمرار التطور فإن كثيراً من المشغلين للمعرفة سيملكون الشركات التي يديرونها أو أنهم سيتحولون إلى مستشارين غير مرتبطين بشركة واحدة فقط. في عصر المعرفة يصبح الجميع تلاميذ بعضهم بعضا وليسوا أساتذة بعضهم بعضا. إن نمط الأستاذ - التلميذ ربما كان يتناسب مع عصور مضت عندما كانت المعلومات قليلة ووسائل الحصول على المعلومات ممنوعة أو غير متوافرة للجميع. أما في عصر المعرفة فإن المجتمعات الناجحة هي تلك التي تفتخر بأنها تلميذة وأنها لا تشبع من الازدياد العلمي. وحتى على المستوى الاقتصادي هناك المستشارون الذين يبيعون خدماتهم لتحويل الشركات التقليدية إلى شركات «تلميذة» (Learning Organisations). التلمذة تعني أن الجميع ينمو مع ازدياد حجم وعمق المعلومات المتوافرة في عالم اليوم. والتلمذة تعني أن الجميع يتعلم وأن الإنسان لا يتوقف عن تلمذته حتى موته. هذا ما وصلت إليه مجتمعات متقدمة تسيطر على عالم اليوم. وهذا ما دعا إليه رسول اللّه (ص) قبل أربعة عشر قرناً: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، وهذه هي الترجمة الحقيقية للإرشاد الإسلامي «اطلب العلم من المهد إلى اللحد».

العدد 11 - الإثنين 16 سبتمبر 2002م الموافق 09 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً