في خطوة بدت وكأنها ردة فعل سريعة على إعلان غوغل، قبل أيام، عن طرح برنامج التشغيل المجاني، كروم وأطلقت عليه اسم برنامج متصفح الإنترنت كروم أو. إس «Chrome OS»، الذي أكد المديران التنفيذيان بالشركة صندار بيشاي وليناس أوبسون «أنه سيتم طرحه في النصف الثاني من العام القادم ومن المقرر أن يتم استخدامه في البداية على أجهزة الكمبيوتر المحمولة، وسيتم إصدار نظام التشغيل بشكل مجاني وكبرنامج مفتوح المصدر بما يسمح لأي مستخدم أو أي شخص باستخدامه أو إجراء تعديلات عليه»، أعلنت شركة مايكروسوفت عن عزمها على توفير نسخة مجانية من برامج أوفيس 2010 عن طريق الإنترنت. أطلقت الشركة على هذا الإصدار اسم أوفيس ويب (Office Web). ومن الخطأ النظر إلى ما قامت به مايكروسوفت على أنه طرح برنامج جديد، يحمل مواصفات جديدة، فتلك الخطوة هي بمثابة إستراتيجية جديدة تماما بالنسبة لشركة مايكروسوفت، فبرامج أوفيس، بالإضافة إلى برنامج التشغيل ويندوز، يعتبران من أهم مصادر دخل الشركة، إذ بلغت أرباح مايكروسوفت خلال الأشهر التسعة الأولى (يونيو 2008 - مارس 2009) من أوفيس 9 مليارات دولار تقريبا، من خلال مبيعات بلغت قيمتها 14.3 مليار دولار.
قصة الخلاف بين «غوغل» ومايكروسوفت ليس جديدة، وتعود إلى ما يزيد على أربعة أعوام عندما قاضت هذه الأخيرة «غوغل» على «خطف» الرئيس التنفيذي السابق لمايكروسوفت كاي فو لي لقيادة فرع عملياتها في الصين ووإعطائه أيضا منصب رئاسة مركز للبحوث والتنمية في لانتهاكها ما يعرف في العلاقات بين شركات تطوير البرمجيات بـ «اتفاق عدم منافسة». وكما يبدو، فإن مايكروسوفت قد مهدت لتأجيج حربها التنافسية مع «غوغل» منذ شهر يونيو /حزيران 2009، عندما أطلقت محرك بحث جديد أطلقت عليه اسم بنغ «Bing»، وهو يختلف عن ذلك الذي طورته الشركة من قبل والذي هو البحث المباشر Live Search . وقد اعتبرت بعض الأوساط الإعلامية تلك الخطوة من مايكروسوفت بمثابة غزو مباشر لـ «غوغل» في عقر دارها، إذ تبلغ حصة غوغل، وفقا لإحصاءات نشرها موقع «إيلاف» عن السوق الأميركية تستحوذ «غوغول على نحو 82 في المئة من عمليات البحث مقابل 9.5 في المئة لمحرك ياهو و5.5 في المئة لمايكروسوفت».
وترافق ذلك مع شكوى تقدمت بها غوغل، كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» اتهمت فيها مايكروسوفت «بخرق اتفاق تسوية قانونية يستهدف الحد من هيمنة نظام تشغيل ويندوز من إنتاج مايكروسوفت على السوق»، وبأن «مستخدمي نظام فيستا يحرمون من بعض مميزات نظام البحث المكتبي الذي طورته غوغل».
من كل ما تقدم يمكننا أن نستقرئ، بعض، ولانقول كل، ملامح اتجاهات إستراتيجيات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات المقبلة، والتي يمكن إيجاز أهمها في النقاط التالية:
1. ستصبح الشبكة العنكبوتية العالمية (الويب)، وليس سطح المكتب، أو الحاسوب، هي الساحة الأشد جذبا للمتنافسين، وسوف تستفيد صناعة تقنية المعلومات والاتصالات من الإمتيازات التجارية والترويجية التي يوفرها الويب، وفي مقدمتها التجاوز اللامحدود للزمان والمكان، لتوسيع نطاق أسواقها، وتعزيز قدراتها التنافسية في آن. هذا بدوره سينعكس إيجابا على طبيعة الخدمات التي توفرها البنية التحتية لصناعة «الويب»، التي ستتحول من مجرد عارضة للمحتوى الإلكتروني، إلى منصة خدمات إلكترنية متقدمة ومتكاملة مع المحتوى.
2. سيفقد عنصر حرق الأسعار، كعامل حاسم في إستراتيجيات التنافس، وبشكل تدريجي، وتلقائي، الكثير من أهميته التي لايزال يتمتع بها، وستحل مكانه جودة الخدمات واتساع نطاق مجالاتها، وهذا ما يفسر تسابق كل مايكروسوفت وغوغل على عرض الخدمات المتقدمة التي توفرها البرمجيات التي يطورونها، عوضا عن التركيز على الأسعار المخفضة التي تبز بها مجموعة من المنتجات، مجموعة أخرى تنافسها. هذا بدوره سينعكس إيجابا على الصناعات المعنية ذات العلاقة، التي ستركز على تطوير الخجمات، بدلا من الاقتصاد في الإنفاق.
3. سترتفع مكانة القيمة المضافة التي تولدها السلع في سلم أولويات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات، وحجم المردود المالي الذي يمكن أن تولده تلك المنتجات عن طريق تلك القيمة المضافة. ومن الواضح أن القيمة المضافة التي تولدها حزم البرمجيات التي طورتها الشركتان، في حال نجاحها، ستضاعف من عدد زوار البوابات التي توفر خدمات تلك البرمجيات. هذا هو حال محرك البحث غوغل، والبوابة الاجتماعية الإلكترونية فيس بوك (Face Book). ومع تنامي ذلك العدد، تتولد القيمة المضافة التي تحفز صناعة الإعلان الإلكتروني، الذي بات اليوم أهم منافس لكل وسائل وقنوات الإعلام التقليدية. بشكل تدريجي وتلقائي أيضا، ستتلقى شركات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات من شركات الإعلان بيمينها، ما تنفقه هي على منتجاتها بيسارها.
العنصر الإيجابي في كل هذا التطور، أنه يتم في نطاق تقديم المزيد من الخدمات للمستفيد النهائي من تلك البرمجيات من ناحية، وأنه بالقدر ذاته يفتح الأبواب على مصراعيها أمام أي شكل من أشكال الاحتكار، الذي تحاول هذا الشركة أو تلك من الشركات العملاقة فرضه على الأسواق، فسواء مايكروسوفت، أو غوغل وكذلك الأمر بالنسبة لشركات أخرى مثل ياهو وأبل، جميعها، ودون أي استثناء، فتية بالمقياس التاريخي لصناعة تقنية المعلومات والاتصالات التقليدية المزدحمة بالعمالقة الذين لم يستطيعوا أن يقفوا في وجه هذه الشركات التي كانت صغيرة أو متوسطة لحظة انطلاقها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2505 - الأربعاء 15 يوليو 2009م الموافق 22 رجب 1430هـ