العدد 2503 - الإثنين 13 يوليو 2009م الموافق 20 رجب 1430هـ

هل يحق لتجار البحرين تسييس غرفتهم؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الطبيعي أن يثير هذا التساؤل، ومن ورائه علامة الاستفهام الملحقة به الكثير من الجدل. لكن اختيار المفردات تم بعناية فائقة، فليس المقصود هنا، على سبيل المثال لا الحصر، «هل في وسع...؟» فالحديث عن «الحق» يختلف جوهريا عن الحديث عن «الاستطاعة». ومن هنا سنحاول في المساحة المتاحة الإجابة على ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب أولا محاولة استقراء التجار أنفسهم للعمل السياسي، وفهمهم له، والتي يمكن إجمالها في النقاط الأساسية التالية:

1. زرعت السلطة، قبل المشروع الإصلاحي، بدوائرها الأمنية، ورسخت بمؤسساتها الإعلامية، في أذهان المجتمع التجاري في البحرين، علاقة متبادلة بين العمل السياسي والعنف من جهة، والإرهاب من جهة ثانية، مما ولد حالة طلاق دائمة بين التجار والعمل السياسي.

أصبح التاجر من جراء ذلك، يتحاشى في سلوكه اليومي أي مظهر يدل على أي شكل من أشكال العلاقة بينه وبين العمل السياسي، حتى في مستوياته الدنيا، كقراءة كتاب سياسي، غير مرخص له بالدخول إلى أسواق البحرين.

2. ربطت السلطة بين التجارة وممارسة العمل السياسي، بحيث أوعزت إلى مؤسساتها مقاطعة التعامل مع أية مؤسسة تجارية، يشتم منها رائحة علاقة ما بالعمل السياسي، دع عنك ممارسة القائمين على تلك المؤسسة لأوهى درجات العمل السياسي.

ووصل الأمر إلى درجة حرمان تلك المؤسسة من الفوز بأية مناقصة تابعة لأي من إدارات الدولة، طالما حامت الشبهات حول انخراط ملاكها لأي شكل من أشكال النشاط السياسي. ولم تكلف الدولة نفسها مشقة إثبات تلك العلاقة، بل وجدناها في أحيان مثيرة تفتعلها.

3. احتفظت الدولة سابقا بسجلات أمنية، استخدمتها، عند الحاجة، كسيف مسلط على رقاب التجار، لذر الرعب في نفوسهم خشية شك الدولة في أن لهم - بشكل أو آخر - أية علاقة، من بعيد أو قريب، بما يمكن أن يوحي أنه عمل سياسي، ووصل الأمر أن زيارة بعض عواصم البلدان العربية، ممن ليست لها علاقة طيبة بالبحرين، كان يستخدم كدليل يثبت انغماس التجار في العمل السياسي.

4. مزقت السلطة حينذاك علاقات التضامن والتكافل بين المؤسسات التجارية، تطبيقا لسياسة «فرق تسد»، وشجعت نوازع الفرقة بين تلك المؤسسات، مستخدمة الأسلحة الطائفية تارة، وأسلحة المفاضلة تارة أخرى. وحرصت في سياق ذلك على خلق طبقات تجارية جديدة، ممن يمكن أن نصفهم بالتجار المحدثي النعمة الذين لا هم لها سوى كسب ود الدولة ومؤسساتها المختلفة، بما فيها تلك الأمنية. وكان ذلك على حساب وحدة التجار أولا، وشق صفوفهم عموديا ثانيا وليس أخيرا.

5. دفعت الدولة، بوعي وإصرار، كل من يريد الانخراط في أي شكل من أشكال العمل السياسي في البحرين، إلى اللجوء إلى العمل السري، بكل ما يحمله العمل السري من تبعات، كان يصعب على المجتمع التجاري البحريني، وفي ظل تلك الظروف تحملها، مما أفقد، ذلك المجتمع أية قدرة فعالة على ممارسة عمل سياسي مؤثر ومجد في آن.

كانت المحصلة الطبيعية لتلك الممارسات من قبل الدولة، هو عزوف التجار البحرينيين عن عمل سياسي جدي، ووصل الأمر في مراحل معينة إلى مقاطعة التجار لكل أشكال العمل السياسي، بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة.

وهنا لابد من الإشارة إلى قضية مهمة، وهي أنه حتى تلك الفئة التي انحدرت من أصول عائلية تجارية، كان انتماؤها للقوى السياسية النشطة حينها، بمثابة تمرد علني، وإن كان طابعه سري، على المؤسسة العائلية ومصالحها. أدى كل ذلك إلى تراكمات سلبية حرمت التجار من أهم وسيلة للدفاع عن مصالحهم.

في خضم كل ذلك، استمرت غرفة تجارة وصناعة البحرين متفردة باحتضان التجار، الذين حرصوا بدورهم على إبعاد الغرفة من أي شيء من شأنه إثارة «حفيظة الدولة» ضد الغرفة، خشية، بوعي أو بدون وعي، أن يؤدي ذلك إلى إلحاق الأذى بالغرفة، والذي كان يمكن أن يصل إلى إغلاقها ومصادرة حقها في ممارسة أي نشاط لها، وحرصهم على أن يكون نشاطها محصورا في الجوانب المهنية ذات العلاقة بالعمل التجاري المحظ، فحسب.

لذلك، وعندما جاء المشروع الإصلاحي، حاملا معه رياح الانفتاح، كانت هذه النسائم على رقتها، بمثابة العواصف الهوجاء التي أربكت التجار وأفقدتهم توازنهم. فرأينا الكثير منهم في حالة من التخبط الدال في جوهره على انعدام الخبرة والافتقاد إلى الحد الأدنى من مهارات العمل السياسي وتكتيكاته.

من هنا، فالإجابة على السؤال في حق التجار في تسييس الغرفة متروك لهم، لكنهم في حال رغبتهم في الاستمرار في إبعادها عن ذلك، فلابد لهم أن يبحثوا عن بديل آخر، وفي هذه الحالة يحققوا مكسبين في آن: الاحتفاظ بهوية الغرفة المهنية، وهو هدف مهم وفعال ويستحق العمل والتضحية، وخلق البديل السياسي الآخر الذي ينتشل التجار من حالة التهميش التي يعانون منها.

وما لم يبادر التجار إلى ذلك، وفي أقرب فرصة، فلربما اكتشفوا، ولكن في وقت متأخر أن سفينة العمل السياسي قد أبحرت بدونهم، وأن دورهم سيكون هامشيا، حتى وإن قدر لهم اللحاق بها في مرحلة متأخرة.

فهل أفاق التجار إلى ما يدور حولهم قبل أن يسبقهم الآخرون ويخطفوا من بين أيديهم دورا هم الأحق به والأكثر كفاءة لممارسته؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2503 - الإثنين 13 يوليو 2009م الموافق 20 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً