العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ

طائفية

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

لا أعتقد أنّ الناظر بتأمّل فيما يجري في البحرين يخفى عليه ما أدعيه عبر هذا المقال، فلقد تحوّلت الكثير من أجهزة الدولة إلى أجهزة طائفية تعمل ليل نهار بغرض تعزيز أهداف المشاريع الطائفية وإشعال الفتن الطائفية ولعل أبرز صورها ومعانيها التي لا يمكن حجبها كما لا يمكننا حجب أشعة الشمس بأنها على سبيل المثال لا تقبل للعمل فيها مَنْ يُغاير لونها أو نسيجها الاجتماعي أو السياسي، وأضحى الانتماء المذهبي عنوانا من أكثر العناوين أهمية لنوع العمل المستقبلي للمواطن، فحتى تضمن لك وظيفة توفر لك لقمة رزقك عليك أنْ تكون من طائفة معيّنة وتتجّه لأجهزة حكومية معيّنة ومحددة؛ كي تضمن لك وظيفة وعليك أنْ تحسبها صح حتى لا تقف كثيرا في طوابير الانتظار والتعطل فهناك سنن طائفية عليك التسليم بها والارتهان إليها، والتغيير آنذاك أمر ممقوت وغير محبب ويجب محاربته بنفس مقدار محاربة الطائفية.

ومما يُؤسف له حقا أنْ يصبح مجلس النوّاب المجلس الوطني الذي يجب أنْ يُطالب بالحقوق وأنْ يُحافظ على المكتسبات أصبح هو الآخر رهينة في يد الطائفية الحمقاء فهو مختطف مرة من قبل الحكومة التي تحكّمت في صياغتها وتركيبته، ومرة من قبل الكتل المتنفذة التي تسعى وراء مصالحها الخاصة بعيدا كلّ البعد عن المصلحة الوطنية ومصلحة هذا الوطن بكلّ أطيافه وألوانه، والدليل واضح ولعلّ ما تفوح منه الروائح الغريبة في جهازه الإداري، وممارساته الأخرى لأكبر دليل على صحّة ما نقوله.

وهناك من الأمثلة ما نعجز عن رصدها وكتابتها أو التحدّث عنها ويكفينا أنْ نشير إلى النزاع الذي يدور باستمرار بين الكتل الطائفية المتنفذة في هذا المجلس على المناصب الإدارية «اللي يحوش لأمّه وأبوه»، وكأنّ «ما في هذا البلد إلاّ هذا الولد».

كما تكفي الإشارة إلى تشكيلة هيئة مكتبه التي ضربت كلّ الأعراف والتقاليد واستأثرت بكلّ المناصب الحساسة؛ فقد تمسكت بمنصب الرئيس ونائبيه الأوّل والثاني من دون خجل أو وجل، مستغلة احتجاج أكبر الكتل النيابية «كتلة الوفاق» ومقاطعتها للجلسة الإجرائية الأولى التي جاءت احتجاجا على تدخل التيار المحافظ في سياسات مجلس النوّاب.

أمثلة أخرى تدل على طائفية المجلس النيابي: لقد وقف المجلس نفسه ضد محاولة تشكيل لجنة تحقيق في التجاوزات الطائفية، والتمييز الوظيفي، وحال دون تشكيلها والوقوف هذا يفسّر بأن هناك شهادة راسخة وعميقة من قبل النوّاب أنفسهم بأن هناك فعلا تجاوزات طائفية، وتمييز وظيفي وإلاّ «لا تبوق لا تخاف»، كما وقف المجلس من جديد ضد محاولة استجواب محورفساد مالي، وحوّل قضية استجواب المعلومات السكّانية إلى قضية طائفية، وحاول باستماتة التعتيم على الاستجواب المطروح باستجواب آخر من نوع طائفي لأغراض التجزئة وإشغال الرأي العام والمساومات الطائفية وفتح أبواب الصفاقات الطائفية الخاسرة.

وفي جلسات كثيرة لهذا المجلس، ومن خلال المراقبة الفاحصة، بدا التكتل الطائفي بارزا في عدّة فزعات طائفية؛ لتحقيق الانتصارات الطائفية. فقد تجاوز المجلس اللائحة الداخلية التي وضعت له مرات كثيرة، أبرزها تفسيره الجائر للنصاب القانوني الذي فوّت به بعض القرارات المهمة للمجلس.

وإزاء هذا التحدّي الكبير الذي واجهه التيار الوطني والشعبي، والمعاناة الثقيلة التي تعانيها المعارضة في هذا المجلس، برزت فكرة الانسحاب من التجربة، وترك الحبل على الغارب نتيجة لكلّ التعقيدات والعوائق التي تحول دون تحقيق المكاسب، وبمقابلها جاءت فكرة الصمود ومواجهة التحدّي، والصبر على التجربة لحين الخروج بها إلى بر الأمان واستنقاذها من مستغليها.

والسؤال هل ستتوفر أمام الكتل المعارضة في المجلس مقوّمات وعوامل إنجاح التجربة والوصول بها إلى بر الأمان، أم أنّها عليها أن تسير بمركبها المضطرب إلى حيث ما تأخذهم الأمواج؟ ويحسب لهم بأنهم قاموا بواجبهم الوطني؟

وأخيرا، أنْ يكون هناك مشروع طائفي في البحرين يمشي بالفعل على الأرض نشعر به، ويُعاني منه مَنْ يُعاني ويظلم منه مَنْ يظلم فهو أمر شنيع ومستهجن، ويدل بأنّ هناك بالفعل مرضا يجب أن يستأصل فعلا ويُعالج من قبل كلّ الجهود الوطنية المخلصة، ولكن أنْ يظل المرض يستفحل في الجسم والبعض يُحاول الضرب عليه وإثارة الآلام وإتساع الجروح فهذا أمر مستنكر، وغير طبيعي ويجب مواجهته والتصدّي إليه، وأنْ يكون هناك مرض كالمرض الذي نعاني منه، ويحاول مَنْ يُحاول القضاء عليه والتخلّص منه ويبقى المجلس النيابي مكتوف اليدين دون حراك فهذا نكران للحقوق وتخادل للقيام بالواجبات المنوطة، وأنْ يكون المجلس هو الجهة المحركة والمزوّدة لآلام هذا المرض فهذا هو قمّة الجهل والتخلّف والاستخفاف بمشاعر الناس، وعليه يجب أنْ تواجه كلّ تلك التحركات الطائفية من خلال حراك وطني صامد وفاضح لكلّ الممارسات الطائفية التي تأتي من الغرف النتة ويجب أنْ توأد كلّ المحاولات الطائفية التي تسعى إلى تفتيت الصف الوطني وخلق الفتن، فلم نكن نعرف قبل التجربة النيابية بالمشاريع الطائفية ولكنها نمت وتنامت مع التجربة وكفانا الله شرّ الطائفية وأنصارها وحفظ الله البحرين من كلّ طائفي، ومن كلّ مشروع طائفي.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً