خلال زيارته إلى العراق التي استمرت لأيام قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إن العراق لن يكون «آخر أولويات» الولايات المتحدة.
طبعا لا أحد يستطيع أن يطلب من بايدن، الذي قدمت بلاده على مدى ست سنوات في العراق نحو 4500 قتيل و30 ألف جريح، منهم 17 ألفا جروحهم خطيرة، أكثر من ذلك، ويدعوه لأن يهتم بعراق فاشل يقع في ذيل قائمة الدول الناجحة في العالم.
نعم، أميركا تريد أن يبقى العراق ضمن أولوياتها في العالم، لكن أي عراق ذلك الذي تريده أميركا؟
إنه عراق الاشتراطات الأميركية، التي من بينها أن يكون عاملا مكملا لسياساتها في المنطقة والعالم، لا معارضا لها أو ثقلا عليها تتحمل أعباءه في العالم والمنطقة. فالإدارة الحالية في واشنطن غير مستعدة لأن تتحمل عبئا ورثته من إدارة سابقة، حتى وإن كان هذا البلد هو العراق الذي يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم، فهي تبقى مثل أية إدارة حكومية جديدة تبحث عن عوامل نجاح لا عوامل فشل تعيدها إلى واجهة الاتهامات المحلية والدولية بنشر الفساد وتهديد السلم الإقليمي والعالمي.
قد يكون بايدن الأوضح بين كل المسئولين في الإدارة الأميركية الحالية، عندما هدد المسئولين العراقيين خلال زيارته الأخيرة من أن واشنطن لن تكون معنية ولن تلتزم معه إذا ما عادت الحرب الأهلية، فالعراق لا يمثل (كما قلنا في مرات سابقة) قضية شخصية مثلما كانت كذلك للرئيس الأميركي السابق بوش.
بالمقابل ما الذي يمكن أن تفعله بغداد لتكون دولة ناجحة وفق المنظور الأميركي على الأقل، وتحافظ على موقعها في قائمة أولويات أكبر دولة في العالم؟.
إذا مازال السياسيون العراقيون يريدون الاحتماء بالعباءة الأميركية، عليهم أولا أن يجدوا حلا جذريا للمشاكل الأمنية التي يعيشها العراق، والبحث عن حلول سياسية للمشاكل الأمنية التي لم تنفع معها قوات أكبر دولة في العالم، خصوصا وأن العراق اليوم بسياسييه وشعبه لم يختبر قوته في ظل غياب القوات الأميركية، ولم يمر بامتحان مهم يعرف من خلاله مدى قدراته السياسية والعسكرية، فمعظم السياسيين مازالوا يحتمون بسمعة القوات الأميركية التي لا يبدو أنها ستكون مستعدة كثيرا للعودة إلى مواقعها السابقة داخل المدن العراقية بعد انسحابها الأخير.
العمليات الإرهابية التي شهدتها تلعفر في محافظة نينوى ومدينة الصدر في بغداد قبل ثلاثة أيام، وراح ضحيتها عشرات العراقيين، يضاف لها العملية التي حدثت في الموصل أمس وراح ضحيتها أربعة مدنيين، قد تكون بداية لعمليات إرهابية قادمة لن توقفها تصريحات المسئولين العراقيين الدعائية عن سيطرة القوات الأمنية المحلية على الشارع العراقي الذي لم ير حتى الآن الأسوأ الذي حذر منه أوباما خلال انسحاب القوات الأميركية.
كل ذلك لابد أن يدفع أصحاب العملية السياسية إلى إعادة تقييم أدائهم على الصعيدين السياسي والوطني، وسط احتمالات مؤكدة تشير إلى أن المعارضين للعملية السياسية بدأوا هم أيضا بإعادة أجنداتهم التكتيكية التي غالبا ما ستستبعد وجود دعم عسكري من قوات أميركية فاعلة على الأرض.
أهمية العراق لأميركا ستبقى، إذا كان بلدا ناجحا لا فاشلا كما هو الآن، وستقوى أهميته إذا تصالح مع نفسه، فهو مازال يرفع شعار المصالحة منذ نحو خمس سنوات دون فعل يذكر، خصوصا بعد أن فشل في استقطاب من هم خارج العملية السياسية، فلا أحد في العراق الآن يعترف بمفهوم المصالحة الحقيقية بعد أن تخاصم قادة العملية السياسية نفسها، فالمركز لم يعد راضيا عن الأطراف، والأطراف ترفض الانصياع للمركز.
على ساسة العراق أن يعيدوا حسابات الفترة القادمة «فالأسوأ لم يأت بعد»، والعنف لا يبدو أنه سيغادر حياة العراقيين قريبا، مادامت المصالحة لم تتحقق، في ظل حرب أهلية مازالت دخانها لم تطفأ بعد
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2501 - السبت 11 يوليو 2009م الموافق 18 رجب 1430هـ