العدد 2501 - السبت 11 يوليو 2009م الموافق 18 رجب 1430هـ

تبريرات الكهنوت

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من ألذع التعليقات السياسية في موضوع التطبيع مع «إسرائيل»، تعليق النائب السلفي عادل المعاودة: «ترقص بلا سروال كيف امسرولة»، فكيف وقد حصلت على «حجّةٍ» من العدو اللدود الذي أصبح عند البعض أخطر من «إسرائيل»!

ومادامت «إسرائيل» أهون خطرا، فيمكن الاستشهاد بها على شرعية العقاب الجماعي ضد بعض القرى البائسة التي يخرج بعض صغارها في مظاهر احتجاج يرفضها غالبية الأهالي، فتستخدم مسيلات الدموع ضد الجميع.

نعوم تشومسكي في كتاب «إهدار الحقيقة» مطلع التسعينيات، انتقد سوء تناول وسائل الإعلام الأميركية للقضية الفلسطينية، وما كان يقدّمه الصحافيون من تبريرات لانتهاك حقوق الفلسطينيين، إذ كتب (مختصَرا): «وساعدت التبريرات طوال عشرين عاما، على أن تعطي تفويضا للكبت الشديد والإذلال، حتى بلغت اقتحام المنازل وتهشيم الأثاث وكسر العظام وضرب المراهقين بعد إخراجهم من منازلهم عنوة، والعقاب الجماعي».

تشومسكي الذي ينقل كثيرا عن الصحافة الأميركية ويكشف فضائح الكتاب ممن يسميهم «الكهنوت الذي تم شراؤه»، نقل «حكايات مرعبة يرويها الجنود من مخيم جباليا للاجئين، الذي يخيّم عليه البؤس، حيث نجح الجنود هناك في سحقهم، لدرجة أنهم أصبحوا منكسرين واهنين ومنهكين تماما». أليس هذا النموذج أفضل للاستدلال والاقتداء؟

لسنا في وارد تأييد أو تبرير ما يجري من عمليات حرق وتخريب في أي منطقة أو شارع، فللمال العام حرمةٌ يجب صونها من الجميع، وللأنفس حرمةٌ أكبر وأشد من أيّ طرفٍ كان. هذه نقطةٌ مفروغٌ منها، أما أن يأتي من أسرّها في نفسه بعد أشهر طويلة، كأنما حصل على بغيته من أحداث جرت في إيران أو غير إيران، فهذه لعبةٌ صغيرةٌ لا تليق بأصحاب القلم.

إنني أحلم كآلافٍ مثلي، ببلدٍ خالٍ من المنغّصات، عزيزٍ بأهله ومواطنيه، فلا أرى في المساء سيارات عسكرية أو قوات مكافحة الشغب عند الدوارات، ولا أرى عند مداخل بعض القرى البائسة حرق حاويات وإطارات. أحلم أن تُعالج كل مسبّبات الاحتقان بحوار وطني شامل وصريح. أما أن يأتي البعض لتقديم حجج سطحية، لتبرير تآكل الحريات العامة والتضييق على حرية الاجتماع والندوات... فهذا نوعٌ من الاستهتار بالعقول.

ثم إن قضية الفلفل المطحون لم يخترعها الصحافيون ولا المدافعون عن احترام الحريات، بل كانت نهاية تصريحات جهات رسمية، تذهب إلى تكذيب ما تنشره الصحافة المستقلة عن استخدام مسيلات الدموع من الأساس. وعندما تنشر صور العبوات التي تكشف تكوينها الكيماوي وانتهاء صلاحية بعضها، يأتي الدفاع قديما بأنها «مجرد فلفل مطحون»، أما المرافعة الأخيرة فإنها تستخدم في البلد الفلاني، والبلد العلتاني.

نحن نفهم أن الموقع الطبقي يملي على الناس مواقفهم في الحياة، لكن أن تدخل حربا مفتوحة ضد كلّ ما هو شعبي، وتناصر (عمياني) كل ما هو حكومي، فإنما هو غوصٌ أكثر في الوحل. وليس غريبا ممن وقف ضد الحركة الشعبية المطالبة بعودة البرلمان وأسماه (برطمان)، ثم تحوّل إلى منظّرٍ أول للبرلمان بحركةٍ بهلوانيةٍ عجيبة، أن يبحث عن تبريرات لتقليص هوامش الحرية في زمن الإصلاح، وتقليم أظافر المجتمع المدني الناشئ.

بدل المساهمة المباركة في تدشين عهدٍ جديدٍ يقوم على حفظ كرامة البشر وترسيخ حقوق الإنسان وتشجيع السياسات التي تعزّزها، يبحث البعض عن تخريجات سطحية لأية تراجعات أو انتهاكات تمس حقوق الشعب الدستورية

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2501 - السبت 11 يوليو 2009م الموافق 18 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً