العدد 2186 - السبت 30 أغسطس 2008م الموافق 27 شعبان 1429هـ

سفينة الحرية... المغامرون الأجانب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عادت سفينتا «الحرية» و»غزّة الحرة» إلى قبرص بعد محاولة رمزية لكسر الحصار عن قطاع غزّة.

رحلة الذهاب ضمّت 46 متضامنا من 17 دولة، ولكن تسعة منهم آثروا البقاء تحت الحصار، فيما حلّ مكانهم في رحلة الإياب سبعة فلسطينيين لتلقي العلاج، أحدهم طفل صغير. ولم يفلح عددٌ من الطلبة من مرافقتهم لاستكمال دراستهم في الخارج.

الحركة تعبّر عن ضمير إنساني حيّ لدى تلك الشعوب التي ما فتئنا نلعنها في العالم العربي ونرميها بكلّ نقيصةٍ أخلاقية في الليل والنهار. هؤلاء ركبوا أخطار البحر وواجهوا تهديدات جيش الاحتلال بمنعهم بالقوّة من اختراق «الحدود الدولية» وتجاوز المياه الإقليمية لدولة الكيان الصهيوني.

هؤلاء لا تربطهم بأهل غزّة ما يربطنا بهم من وشائج اللغة، والدين، والدم، والتاريخ المشترك، ومع ذلك اعتبر قائد الحركة الأميركي بول لارودي الوصول إلى غزّة بمثابة حلم تحقّق، وعبّر عن أسفه على لحظة مغادرة القطاع، ووعد بالعودة قريبا مع مزيد من المتضامنين لكسر الحصار وزرع حقوق الإنسان. بينما أحد أعضاء البرلمان زار غزّة قبل أشهر، كما حدّثنا السفير الفلسطيني في المنامة، وعاد ليتوسط لدى تاجر بحريني؛ ليمنع ما كان يدفعه لعشرات الطلاب الذين يدرسون في جامعات الأرض المحتلّة، فقط لأنّهم ليسوا من التيار السياسي الذي يُواليه!

أمّا مالك السفينتين واسمه بسياس فينغليس، فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ بشّر بمزيدٍ من الأفكار والخطوات العملية لرفع الحصار، ونقل المزيد من الشخصيات الكبيرة والبرلمانيين الأجانب لجعل ممر السفينتين ممرا بحريا يتحرك فيه الفلسطينيون بشكل حر بعيدا عن التدخل الإسرائيلي، وهو ما لا يجرؤ على التفكير به «محور الاعتدال العربي» ولا «جبهة الصمود والتصدّي»!

الرحلة لم تكن نزهة إلى بعض الجزر ذات المرافق السياحية الفخمة، والمنترهات، والكباريهات، بل كانت في بحرٍ هائجٍ نحو قطاع ضيّق مُحاصر من الأرض، يخضع أكثر من نصف سكّانه إلى البطالة، والجوع، والمرض منذ عامين.

الوفد ضم إسرائيليا واحدا، وهو بروفيسور متخصّص في شئون علم الإنسان بجامعة «بن غوريون»، جاء ليؤكّد لأهل غزّة أنهم ليسوا وحدَهم، داعيا المجتمع الدولي للوقوف عند مسئولياته، وإعلان رفضه للحصار. والرجل الذي يترأس «اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت»، ذكّرنا بما نسيناه، حين انتقد موقف جامعتنا العربية العريقة؛ لأنها تخلّت عن وعدها بكسر الحصار عن الشعب الفلسطيني، وهو وعدٌ نسيناه نحن العرب، شعوبا وقبائل... وحكومات!

البروفيسور قال: إنّ مشهدينِ سيبقيانِ عالقينِ في ذهنه مدى الحياة: «استقبال الفلسطينيين للسفينتينِ، ومنظر ميناء غزّة الذي دمّرناه نحن الإسرائيليين» بحسب قوله. ولشعوره العميق بالخزي مما يفعله قومُه بالشعب الفلسطيني، كانت مشاركته لكسر الحصار، «فطالما هناك احتلال فهناك ظلم وضائقة». وقد استهجنَ موقفَ السلطة الفلسطينية وعدم اهتمامها بالجهود التي بذلها المتضامنون للوصول إلى غزّة... قاتل الله النزعات الحزبية المراهقة، والتعصب الفصائلي الأعمى الذي ابتلي به الفلسطينيون في هذه الفترة السوداء من التاريخ.

الرحلة غيّرت مجرى حياة المشاركين، فمشاهد الدمار والمعاناة التي رأوها في عيون الأطفال والمرضى، منحتهم القوّة للاستمرار في «مغامرتهم»، وبينما اعتبروا ذلك تحدّيا من شعوب العالم للحصار والظلم ضد الفلسطينيين، وعدوا بالعودة إلى غزّة عمّا قريب، بينما تنتظر شعوبنا مسلسلاتِ وفوازيرَ رمضان... بدءا من هذا المساء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2186 - السبت 30 أغسطس 2008م الموافق 27 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً