يعزُّ على صاحب ضمير أن يتخيل كيف ستتأقلم الأسر متوسطة الدخل، فضلا عن عديمته، مع هذه الأيام المقبلة التي تتزامن مع بدء العام الدراسي وإطلالة شهر رمضان المبارك في ظل موجة غلاء لا حدود لها!
من غير المنصف أن يبقى المجتمع يتفرج على أحوال هذه الأسر، ويتوقع أن تتصرف لوحدها وتتدبر أمورها في غمضة عين، في حين أن الكثير من العوائل الميسورة مازالت تشكو من ضعف الحال وتتحدث عن مأزق مادي ستمر به في هذه المرحلة، مطالبة بإيجاد مخرج جدي له.
مرت الأشهر الماضية بعد أن سجلت عشرات القصص لأسر بحرينية «طفشت» من واقع الغلاء، حتى لجأت إلى الاستدانة تارة، وتارة إلى الدوس على رغباتها ورغبات أبنائها البسيطة وتجاهل احتياجاتهم الضرورية التي لا ترقى إلى نسبة شيء مما يحظى به نظراؤهم ميسورو الحال، وذلك من أجل تجاوز أزمة الغلاء والفقر من دون إراقة ماء الوجه.
منع التسوّل... وسدّ الرمق
دشنت وزارة التنمية الاجتماعية حملة لمكافحة ظاهرة التسول في المجتمع البحريني أخيرا، فكانت خطوة جيدة على صعيد المنظر الحضاري للمملكة، ولكن السؤال الذي لاحق الحملة: هل الخطوات البديلة التي قامت بها الوزارة والمعونات التي تقدمها كفيلة بجعل هذه الأسر تعيش كغيرها من الأسر وتشعر بكرامتها كأسرة بحرينية لا ينظر إليها الآخرون بدونية، أم أن ما تتلقاه من معونات لا يتجاوز سد الرمق وتسكيت العوائل المحتاجة، من أجل إخماد ظاهرة التسول فحسب؟ وما مدى شمولية هذه الإعانات للأسر المتعففة التي نذرت على نفسها ألا تمد للآخرين يدا؟!
لعل إعلان المؤسسة الخيرية الملكية عزمها كسر حاجز الفقر في مملكة البحرين، يؤكد فعلا وجود نماذج كثيرة لأسر معوزة بعيدة عن الأنظار تحتاج إلى من يبحث عنها ويعينها على تخطي معاناتها من دون أن يُشهِّر بها في الملأ كل يوم.
تخيّل ابنك أحدهم...
عيني على ذلك الصغير الذي تحلم أمه بإدخاله الروضة كقرنائه ولكن لا حيلة لها، وعلى ذلك الطفل الذي يبكي مطالبا والده بحقيبة جميلة وملابس منمقة لا تلوح عليها ملامح «معونة الصناديق» كالتي يلبسها زميله، وعلى الشاب اليافع الذي ينتقل هذا العام إلى المرحلة الإعدادية أو الثانوية، وهو لا يملك ما يلبس أو يشرب كما يملك زملاؤه، فيخفي وجهه ما استطاع تسترا، وكذلك تلك الفتاة الفقيرة التي لا تذهب إلى المدرسة كل يوم إلا بعد أن تنشف دموع الهضيمة، وترسم بسمة كاذبة على شفاهها خوفا من الحرج أمام صديقاتها...
جل ببصرك كل يوم على طلاب المدارس في غالبية القرى وأنت ذاهب إلى العمل صباحا، وتفرّس وجوههم، سترى بعينيك من بينهم وجوها لا يفارقها الوجوم، إنهم أبناؤنا الذين نحسبهم «أغنياء من التعفف»، ولكن يخفون وراءهم جبلا من هموم الفقر وأحلام البسطاء.
ما تم سرده ليست حبكة تراجيدية لمجرّد الاستعطاف، ولكنه واقع لا يشعر به إلا الملسوعون. وسؤال واحد لأحد مسئولي الإعانات في الصناديق الخيرية كفيل بكشف مدى ما يخبئه واقع الأسر المنهكة من الفقر والغلاء، التي لا عزاء لها سوى انتظار الأيادي البيضاء التي كل واحد منا يشعر أن يده ليست منها طبعا... فالمعنيون تجار من المريخ، «اطمئنوا»!.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ