العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ

عبدالله فخرو... صوت الحق دون أجندة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

فلتعذر مقامنا المتواضع تلك الروح الشاهقة لوالدنا الراحل المناضل الوطني عبدالله فخرو (رحمه الله) على تقصيرنا وانشغالنا سهوا في هذا العام عن الكتابة عن ذكرى فاجعة الرحيل، وليغفر لي الرب تعالت قدرته وجل شأنه لغفلتي عن ذلك، فأنت رحمك الله صوت الحق دون أجندة وهو يسمو فوق الأحزاب والجماعات والأيديولوجيات، ونوارة روحك المتقدة بصمت في دياجير «فرجان» المحرق هي التي تضوع بسورة أعظم مجاهد مؤمن لم يقصر يوما في الصدح بالحق والمجاهرة به في مجلس من مجالس الدنيا، فترهب به بؤس مخاصميك وكارهيك ومعاديك، وينفضهم حينها قولك كما ينفض العثار والرهج والخشاش من السجادة.

أبا علي، ربما لا تعرفني ولم تسمع بي ولم ترني قط، إلا أنني رأيتك وسمعت عنك الكثير والكثير، فلم تفصل عنا المسافات والأجيال إلا بما فصل الحلك عن الشهب، وإنني لأخجل من مطلع روحك الباسمة، وأتوجس خيفة من سورة غضبك في ما لو أخبرتك عما آل إليه حال البلاد والعباد، فنحن لم نعد في هذا الزمان الرديء الحبكة نعرف إلا ما يبدو لنا كـ «دوقية الرفاع» و «مقاطعة الدراز» و «الفاتيكان المحرقي» منذ أن قطع المرتزقة والمفسدون والحشائش الضارة من بينها جسور محبتك البيضاء!

فبلد المليون نخلة التي عهدناك مجلجلا في ربوعها أمست بلد المليون صدقة وعطية وجزوة، وغدت فيها الحقوق والواجبات لكأنما هي لغة بائدة وبقايا فولكلور غابر، أو هي بلد المليون أفاك ومرتزق ومتآمر ومنافق حيث يختلف الفقر السني عن الفقر الشيعي، والحرمان السني عن الحرمان الشيعي، والجوع السني عن الجوع الشيعي، والحلم السني عن الحلم الشيعي وبينهم جميعا ألف «ناشط سياسي» في سحنة «مناضل»!

يا أبا علي، يا أعظم مجاهد، يا قائل الحق لدى أكثر من سلطان دين ودنيا جائر، لو كنت بيننا لرأيت كيف يتلاعب ذوو السطوة والنفوذ في مسابقاتهم التنافسية وقنصهم السياسي الهزلي بمشاعر ذوي الغالبية العظمى من ذوي الدخل والحظ والعقل المحدود في الشوارع والأزقة، وكيف يسوّغون الحقوق المشروعة بالقطارة مقابل أنهم يسفحون الكرامات الآدمية على أسفلت الشوارع وعلى الجدران الصماء كما لو أننا في عهود الإقطاع القروسطي!

ولربما امتعضت من بعض نواب الشعب أو نواب المراكز والمحطات العامة «اللي ما سووا شي»، ونخص منهم المحسوبين على أنهم من رجال الدين وأئمة المساجد وكيف صعدوا وداسوا أحلام شعب البحرين اليتيم، وكيف اشتركوا دون هوادة في مخططات التشظية والتجزئة الطائفية، فنالوا بعد باع طويل من المتاجرة بالله ومن تقديم الشرع بالعرض والطلب - والعياذ بالله - حظهم من قصور ألف ليلة وليلة برلمانية رغم كون ناخبيهم محشورين في أبأس مأوى وصورة، تثقلهم وتثخنهم الخيبة والإحباط من دعاة الآخرة قبل دعاة الدنيا الذين أثبتوا بـ «جمبزتهم» التي تؤهلهم بجدارة لخوض الأولمبياد، فلكأن لحاهم ديكور، وصلاتهم نوع من الرياضة التي تمرنهم على فن التسلق السياسي والاجتماعي والارتقاء الطبقي دون وجه حق، فهم يرجفون ويرهبون ويعظون ومع ذلك يعضون على حدبة عجوز الدنيا الشمطاء ويتمسحون بأهدابها أو خيوط العنكبوت!

لربما يا أبا علي أصابك الغثيان وأنت ترى الآن «ناشطا سياسيا» أرعن ظهر فجأة بعد وابل حمضي لكأنما هو كمأة فطرية نافرة، وقد أخذ يسوق جحافل من شباب وفتيان من شمأل محرقك ليكونوا سدنة لكعبة التأزيم الطائفي والتآمر في أقاصي البلاد، ليس لسبب سوى أن الديرة أمحلت وأقحلت من الرجال الذين يقولون كلمة الحق الذين أخشى أنك كنت من بين أواخرهم!

أو أنك تلفي تائها ومغتربا في دارك التي تغيرت كثيرا يا شيخها الأعز بعضا ممن يدّعون أنهم محسوبون على السلف، والسلف الصالح منهم براء، وهم يدعون الفقير والمظلوم إلى عدم مخالفة ولي الأمر ولو جلد ظهرهم وهتك عرضهم، وفي الوقت ذاته يتعذرون في تحذيرهم من طاعة ولي الأمر في معصية الله، وكأنما بهذا الجنون الشرعي المفصل بابتذال على خاصرة سياسية يرون أن جلد الظهر وهتك العرض هو عبادة لا معصية لله، فكيف تجوز الطاعة والمعصية في آن؟!

ولربما تشفق روحك الآن على مريض في المستشفى أو على يتيم أو مظلوم كعهد البحرين بك وأنت تزور المرضى في المستشفى غرفة غرفة دون أن تسأل عن طوائفهم و «أجنداتهم» وأهوائهم وعن المناسبة والموسم، فما يهمك سوى أن تفرج الكربة عن أخيك الإنسان، وتخفف عليه بغصون وأفانين ريّا بماء الأمل، أو أن تفجر شمسا للحق في أطلال مجلس وملفى و «فريج»، فأنت الذي تحصحص بالحق ولا تحاصص به كما فعلت وتفعل لحى وعمائم و «كرافتات» من رجالات زمان الهوان والارتجاع!

أو أنك بسخائك وجودك وطيبك ستبارك أحد الفتية الذين يبيعون سلعا رخيصة ويترزقون بالحلال في سوق المنامة أو سوق المحرق، ويلاقي حينها ما يلاقي من مضايقة ومخاطرة من كلاب الشارع المترنحة في قائض الصيف أو زمهرير الشتاء، فأولئك الفتية والصبيان الذي يكدّون كدّهم بالحلال ربما خير ما يأتلق فيه الشريان البحريني الأصيل ما إن يمسسه نور، وهم أولى بالاحترام والتقدير والاعتزاز من بعض نواب المراكز والمحطات العامة الذين صعدوا وتسلقوا على أكتاف وظهر الشعب وخذلوه لا شرعا، وأنت قد تنبأت قبلها ببؤس هذه الحال ولم يعرك أحد اهتمامه، فالجميع حينها كان نشوان وسكران في «أجمل الأيام» التي لن نر مثلها قط!

وختاما فلتعذرني روحك على إطالتي وعلى تفجعي ومرارتي، فلعمري إن في ذكراك العابقة كثير من العزاء والسلوان، وليرحمك الله ويدخلك فردوسه الأعلى، ويحشرك مع الصديقين والشهداء والمتقين.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً