حذر خطيب الجمعة في مسجد سار الكبير الشيخ جمعة توفيق في خطبة الجمعة أمس، من الإسراف في شهر رمضان، وقال «إن الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والآجلة».
وأضاف أن «مما يصاحب شهر الله المبارك رمضان ظاهرة كان الكثير من الناس في سلامة منها، ولكنها تستشري في رمضان في وقت يشتكي الكثير من الغلاء، إنها ظاهرة الإسراف في شهر رمضان».
وأوضح أن الإسراف سبب للترف الذي ذمه الله تعالى وعابه وتوعد أهله في كتابه، إذ قال تعالى: «وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال. في سموم وحميم. وظل من يحموم. لا بارد ولا كريم. إنهم كانوا قبل ذلك مترفين» (الواقعة: 41 - 45)، قال ابن كثير رحمه الله: «كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم».
وبيَّن أن «الإسراف والتبذير يؤدي إلى إضاعة المال وتبديد الثروة، فكم من ثروة عظيمة وأموال طائلة بددها التبذير وأهلكها الإسراف وأفناها سوء التدبير»، مشيرا إلى أن المسلم لو تأمل في شعائر وتعاليم دينه لوجد الهدي القويم والحكم السديد، فنهى عن إضاعة المال، ففي حديث المغيرة رضي الله عنه قال: سمعنا رسول الله (ص) يقول: «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال: ... وإضاعة المال، وكثرة السؤال» وقال في محكم التنزيل: «وأن المسرفين هم أصحاب النار» (غافر: 43)، وقال عن المبذرين: «ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا» (الإسراء:26 - 27) فهذه بعض عقوبات الإسراف والتبذير.
وقال توفيق: «إن من المعالم التي تورط فيها كثير من الناس اليوم الإسراف في المآكل والمشارب، فترى من الناس من يجتمع على مائدته من ألوان الطعام وصنوف الشراب ما يكفي الجماعة من الناس، ومع ذلك لا يأكل إلا القليل من هذا وذاك، ثم يلقي باقيه في الفضلات والنفايات، فليت شعري أنسي هؤلاء المسرفون أم تناسوا أن من الناس أمَما يموتون جوعا، لا يجدون ما يسدون به حرارة جوعهم ولظى عطشهم، أم نسي هؤلاء قول الله تعالى: «ثم لتسألن يومئذ عن النعيم» (التكاثر: 8). قال ابن القيم رحمه الله: والنعيم المسئول عنه نوعان: نوع أخذ من حله وصرف في حقه فيسأله عن شكره، ونوع أخذ بغير حله وصرف في غير حقه فيسأل عن مستخرجه ومصرفه».
وأضاف أن منهج الإسلام يقوم على الوسطية والاعتدال في كل شيء حتى في الطعام، قال الله تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» (الأعراف: 31)، وقال رسول الله (ص): «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بِحسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». وأكد أن «شهر رمضان ليس موسم التخمة وإفساد البدن بالأطعمة، ولعل المسلم إذا تفكر في إسرافه ليجد العاقبة الشرعية الدنيوية ومنها: أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة». مستدلا بما روى الحاكم عن أبي جحيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص) «إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة». فما أكل أبوجحيفة - راوي الحديث - ملء بطنه حتى فارق الدنيا.
واستشهد بما قيل عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: «والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرَقِّكُم عيشا، ولكني سمعت الله عز وجل عَيَّرَ قوما بأمر فعلوه فقال: «أذهبتم طيِّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون» (الأحقاف: 20).
وأشار إلى أن من سلبيات الإسراف في الأكل أن الإنسان ينشغل بذلك عن كثير من الطاعات، كقراءة القرآن الكريم، والتي ينبغي أن تكون الشغل الشاغل للمسلم في هذا الشهر الكريم، كما كانت عادة السلف، وتجد المرأة تقضي جزءا كبيرا من النهار في إعداد الطعام، وجزءا كبيرا من الليل في إعداد الحلويات والمشروبات. ومن سلبيات الإسراف أن الإنسان إذا أكل كثيرا أصابه الكسل، ونام كثيرا، فيضيع على نفسه الأوقات، مستشهدا بما نقل عن سفيان الثوري رحمه الله: إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك أقلل من طعامك. ومنها: أن كثرة الأكل تورث غفلة القلب. قيل للإمام أحمد رحمه الله: هل يجد الرجل من قلبه رقَّة وهو شبع؟ قال: ما أرى. أي: ما أرى ذلك.
وأوضح أن «المسلم يحرص كل الحرص على طاعة الله في شهر رمضان ولا يسرف وليتذكر جيرانه والفقراء وليصلهم بفضل طعامه، فإنه يقرب القلوب ويزيد في الود والمحبة والرحمة بين الناس.
وبين توفيق أن شهر رمضان اختص بالكثير من العبادات منها الصلاة والقيام وقراءة القرآن، ولعل الكثير من الناس من يرغب في ختم القرآن ولكن لا يهْذِه كهذ الشعر فلا يسرع في قراءته فالعبرة هي التدبر والتفكر لا ختمه من دون فهم وتفكر في آياته، ومن سوف في أوله لم يختم في آخره. وأوصى بالحرص على ما ينفعك وتجنب ما يضرك فالعمر قصير والسفر طويل وخير الزاد التقوى.
وقال إن من أعظم العبادات في رمضان إفطار الصائمين، وقد ثبت من حديث النبي (ص): «من فطر صائما كان له من أجره إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء»، فكم يفرح بالفطر الفقراء وذوو الحاجة؟!
وأضاف أن «الناس بدأوا بمد يد العون للأسر الفقيرة ومساعدتهم لشهر رمضان وعلى رأسهم عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أجزل الله له المثوبة، فليكن شهر الخير والعطاء، فسدوا حوائج الناس والمعوزين، فقد كان نبينا (ص) من أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها وعن أبيها». ودعا توفيق «تجار المواد الغذائية إلى أن يتقوا الله تعالى وييسروا على الناس ويرضوا بالقليل (من الربح) ويساهموا في مساعدة الناس في رمضان وغير رمضان فقليل مبارك فيه خير من كثير ممحوق البركة».
العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ
تعليق
جيده جدا