اختصرت سبل الاتصالات العالمية في القرن الحادي والعشرين المسافة بين أتباع الثقافات والأديان المختلفة، وقرّبت الهجرة بين أناس من حضارات مختلفة. إلا أن الأيديولوجيات وأنظمة القيم والمعتقدات الدينية المتنوعة التي يحملها أناس يتشاركون في المساحة الأرضية نفسها تؤدّي أحيانا إلى وجهات نظر مختلفة بشأن كيف يجب على الأفراد أن يتصرفوا، والمدى الذي تتمكن فيه كل مجموعة من المشاركة في المجتمع.
تبرز التوترات إلى أبعد الحدود بين شعوب الدولة الأصلية وتلك المهاجرة إلى أوروبا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين العرب والأوروبيين. يأتي كل من العرب والأوروبيين من حضارات عريقة لها منظومة قيم قوية ولكنها مختلفة، شكّلتها دول لها معتقدات دينية وعادات اجتماعية قديمة.
وقد أدى عدم الاستعداد للتغيير من قبل الطرفين إلى عملية استقطاب اجتماعي. وحسب رأي المفكّرة من جامعة هارفرد جوسلين سيزاري فقد واجه المهاجرون العرب في أوروبا وقتا صعبا في التأقلم داخل المجتمعات الأوروبية، حيث يعانون من أعلى نسب البطالة بين كل الأقليات، وأقوى النزعات لعيش حياة تمييز في أفقر الأحياء. كانت المعاني الضمنية لعملية الاستقطاب هذه واضحة في مظاهرات العام 2005 في فرنسا.
توجد أمثلة على هذه الفجوات الواسعة عبر الولايات المتحدة كذلك، إلا أنه وبشكل عام كانت الولايات المتحدة أكثر تقبّلا للثقافات الجديدة، نظرا لعمرها القصير نسبيا كأُمّة، ولأنها تقبل أعدادا أقل من العرب المهاجرين، يعادل ربع الملايين الخمسة من العرب الذين يعيشون في أوروبا. وتنزع هذه المجموعة الصغيرة لأن تنشأ بين القطاعات المجتمعية الأكثر غنى وثروة وأوسع تعليما.
لا يعيش العرب الأميركيون كمعدل في مناطق فقيرة، ويتمتعون بأسلوب حياة أكثر غنى ماليا ومن حيث نوعية الحياة. فحسب بيانات تم جمعها العام 2000 من قِبَل مكتب الإحصاء الأميركي يبدو العرب أكثر قدرة واستعدادا للاستفادة من الفرص التعليمية الأميركية: 41 في المئة منهم من خريجي الجامعات، مقارنة بـ 24 في المئة من الأميركيين ككل يحملون الشهادات الجامعية. وقد آتى تعليمهم وعملهم الشاق ثماره.
يبلغ معدل دخل الأسرة العربية الأميركية 52.300 دولار، وهو أعلى من المعدل الوطني بحوالي 4.6 في المئة، الأمر الذي يوفر لهذا القطاع من المجتمع فرص عمل ونوعية حياة ويزيل بعض أعباء البطالة والتمييز التي يواجهها نظراؤهم الأوروبيون، إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أعاقت هذا التقدم.
يجري الآن ربط كلمات مثل عربي ومسلم (التي تستخدم أحيانا بشكل خاطئ كمرادفات وبشكل متزايد) بالإرهاب والتطرف والوحشية. تستمر الهجمات الإرهابية التي تتم باسم الإسلام بإذكاء نيران الشكوك الغربية بأي شيء عربي أو مسلم.
في عصر الاتصالات المتزايدة هذا يجب على جميع المجتمعات والثقافات والمجموعات الاجتماعية أن تجد أساليب لفهم بعضها بعضا حتى يتسنى لها أن تعيش بسلام وتناغم. هذه كلمات بسيطة ولكنها تتطلب التزاما هائلا وجهودا من قبل كل فرد منا. ولحسن الحظ فإن الأفراد ينهضون لمواجهة التحدي.
يحاول العديد من العرب الأميركيين تفسير ثقافتهم ودينهم للأميركيين بسبب ردة الفعل التي تَبِعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر. على سبيل المثال، كان عربي اسمه مهدي العفيفي من تينك بنيو جيرسي يقود سيارته لإيصال ابنته وصديقاتها إلى البيت عندما بدأت امرأة تشير بأصبعها إلى الفتيات داخل السيارة: «انزعوا الأغطية عن رؤوسكم»، صاحت باتجاههم.
بعد الحادثة مباشرة، بدأ مهدي العفيفي وزملاؤه من أفراد الجالية المسلمة سلسلة من اللقاءات والأحاديث تشرح الإسلام والعالم العربي في مناطق مختلفة من نيويورك ونيوجيرسي. قاموا معا بزيارة الكنائس والمعابد اليهودية والمدارس والمنظمات النسائية ونوادي الشباب. قاموا بنشر الوعي بالفروقات الثقافية بينهم ودمروا الصور النمطية السلبية أثناء ذلك، وأظهروا أن الأميركيين العرب والمسلمين ليسوا إرهابيين يريدون تفجير أميركا.
يساعد أفراد كهؤلاء على جَسر الهوّة بين مواطنين يتشاركون في المنطقة الجغرافية نفسها، إلا أنه يجب إشراك المزيد من الناس. هناك حاجة اليوم لجهد واعٍ ليس من أفراد المجتمع المدني فقط وإنما كذلك من السياسيين والمؤرخين والزعماء الدينيين. يمكن لأمثلة كهذه أن تمنع المزيد من الاستقطاب حول العالم، وخاصة في مجتمعنا العالمي المترابط تكنولوجيا، حيث تمكّننا قوة الاتصالات والترابط المحسنة من التعلّم من أمثلة بعضنا بعضا.
*طالب سنة ثالثة في الجامعة الأميركية بالشارقة يتخصص في العلاقات الدولية
*طالبة سنة ثالثة كذلك بجامعة الأخوين تتخصص في الدراسات الدوليةوالمقال ينشر في إطار وجهات نظر الشباب بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2185 - الجمعة 29 أغسطس 2008م الموافق 26 شعبان 1429هـ