يكشف موقف العدو الصهيوني من الإعلان الإيراني عن إطلاق قمر صناعي، الموقف الحقيقي للغرب بعامة، وللكيان الصهيوني على وجه الخصوص، من الملف النووي الإيراني السلمي، فالجمهورية الإسلامية تمثّل التهديد الاستراتيجي الأكبر للعدو بحسب تصريحات مسئوليه الأخيرة، لأن إيران استطاعت القيام بقفزة علمية تكنولوجية تُخيف كل هؤلاء الذين يريدون لبلادنا وشعوبنا أن تبقى مستهلكة لمنتجاتهم، كما تخيفهم كونها تنطلق من الموقع الاستقلالي الحر غير الخاضع لأي محور دولي، والمساند والداعم للشعوب المستضعفة وطلاب الحرية، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني الذي تخلّى عنه العرب وتركته أمم الأرض يواجه مصيره أمام الوحش الصهيوني المدعوم أميركيا ودوليا.
إننا نلاحظ أن العدو يعيش حال إحباط داخلية بالنظر إلى ما توصلت إليه الجمهورية الإسلامية من تقدّم علمي وتكنولوجي وصناعي، وهو يتحدث عن البنية التحتية الصناعية الإيرانية بأنها «بنية قوية»، وعن أن الفضاء «لم يعد حكرا على «إسرائيل»»، في اعتراف ضمني بأن ضرب إيران سيكلفه الكثير، وأنه لن يحقق أهدافه وغاياته، وأن الجمهورية الإسلامية تختلف في الذهنية والموقف والحركة عن تلك الدول التي انهزمت أمام العدو ورفعت الرايات البيض واستسلمت للرؤية الأميركية ولكل التهاويل النفسية والإعلامية التي تحرّكت ضدها.
وفي الوقت الذي لا تفكّر الجمهورية الإسلامية في إيران في الاعتداء على أية دولة أخرى، ولا تضمر السوء لأية دولة عربية أو إسلامية، إلا أنّها لن تسمح لأي محور إقليمي أو دولي بالاعتداء عليها، ونحن نعرف أن لديها من الإمكانات ما يُتيح لها الدفاع عن نفسها وعن الأمة، ولذلك فإننا ندعو الدول العربية والإسلامية إلى الاستفادة من العرض الإيراني لها بالمساعدة في المجالات النووية السلمية وفي التجارب الفضائية، لأنّنا نعتقد أن الإعلان الإسرائيلي عن أن إيران تمثل «التهديد الأكبر» لوجود «إسرائيل»، يمثل اعترافا حاسما في أن من يقف في موقع العداوة الأولى لـ «إسرائيل»، يمثل أعلى معايير الصداقة مع العرب والمسلمين.
وفي جانب آخر، نتابع الفوضى الهدّامة التي حركتها أميركا في العراق وأفغانستان، والأوضاع المثيرة المتحركة في الصومال والسودان وفلسطين وبعض مناطق إفريقيا، بفعل التدخل الأميركي الذي يبحث عن الثروات الضخمة الكامنة في بعض هذه البلدان، ولاسيما النفط، والمواقع الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية التي يراد السيطرة عليها في مناطق الصراع، الأمر الذي يجعل العالم الإسلامي يخضع لحرب داخلية وخارجية متحركة وحشية دائمة، وقد رأينا كيف أن أميركا بدأت تطرد حلفاءها من أجل سياسة جديدة تخدم مصالحها وتطلق في آفاقها الحرب ضد الإرهاب، كما يحدث الآن في باكستان، البلد الإسلامي الذي يعيش الفوضى الأمنية والخلل الاقتصادي. وهذا ما ينبغي للعالم الإسلامي أن يفكر فيه، ليعرف أن التزام بعض دوله بالسياسة الأميركية، لن يحقق له التقدم والعدل والخير والاقتصاد القوي، لأن أميركا ستسقط الهيكل على رؤوس الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يخضعون لها، بعدما تمتص حيوية وجودهم، وتصادر ثرواتهم، وتصبح في غنى عنهم، وخصوصا عندما تخطط لإثارة الفتن العرقية والمذهبية والإقليمية بينهم، بحيث تتمزَّق كياناتهم وتتقاتل شعوبهم، ولا يستفيد من ذلك إلا الاستكبار الأميركي وحلفاؤه، كـ «إسرائيل»، وحتى دول الاتحاد الأوروبي.
وعلينا أن نلتفت إلى ما يجري في الجزائر، وإلى التفجيرات الأخيرة التي قتلت وجرحت المئات، لنعرف أن هذه الاستهانة بأرواح الناس، وهذا الإصرار على الجريمة المتنقلة، يمثل خدمة للمستكبرين الذين لا يريدون لبلادنا أن تستقر، ويريدون للفوضى أن تنهش جسدها وتمنع تطورها وتقدمها، سواء التفت من يقوم بهذه الجرائم إلى ذلك أو لم يلتفت.
ونلتقي في هذه المرحلة التي تضج بالحرب المدمّرة في منطقة القوقاز، بالصراع العسكري والسياسي بين روسيا وجورجيا، من خلال الخلافات التي يختفي فيها الصراع بين الغرب الأميركي والأوروبي ودول حلف الأطلسي، وبين روسيا، في الخطط المرسومة التي يراد لها تطويق الاتحاد الروسي والسيطرة على منطقة القوقاز من أجل إضعافه بطريقة وبأخرى، ولكن روسيا تحاول استعادة مركز القوة على الرغم من الضغوط التهويلية التي يثيرها الغرب بما قد يجر الأوضاع إلى ما يشبه الحرب الباردة، بيد أنّنا ـ مع ذلك ـ نلاحظ أن الدول الكبرى تبقي الصراع العسكري في إطار محدود، بحيث تقتصر عمليات الاجتياح على الدول الصغيرة فقط، لأن أي اجتياح يجعل الأوضاع في أعلى مواقع الخطر الذي قد يصل إلى التهديد النووي، ولذلك فإن المسألة تبقى في نطاق تجاذب القوة الذي لا بد من أن ينتهي إلى الحلول الواقعية في أسلوب التفاوض والتهويل والتهديد الفارغ.
أما في لبنان، فإن المطلوب هو الابتعاد عن التشنّج السياسي الذي قد يمارسه البعض من القائمين على المحاور الداخلية لاستعراض القوة على الصعيد الطائفي أو المذهبي، ليثبت كل فريق أنه الأقوى في موقعه، في طائفته أو مذهبه، وهذا ما بدأنا نسمعه من التصريحات المتشنّجة، ومن استعادة المشاكل التي عاشها البلد بين فريق وآخر في الماضي القريب...
إننا ندعو الجميع إلى أن يرتفعوا إلى المستوى الوطني الذي ينفتح فيه المسئولون والسياسيون على قضايا المواطنين، ليتحسّسون آلامهم مما لا فرق فيه بين طائفة وطائفة، ومذهب ومذهب، فالجميع محرومون وجائعون، وهم يطالبون هذه الحكومة بالاهتمام بحلّ مشاكلهم، ويريدون للقائمين على شئون السياسة أن يبادروا إلى مواجهة الواقع بإخلاصٍ ووعيٍ وانفتاح، ليعود لبنان بلدا للعدل وللخير وللمحبة وللوحدة وللعيش المشترك، ولا يبقى مجرد مِزقٍ متناثرة على صورة التمزيق الطائفي والمذهبي والحزبي والشخصاني...
إن لبنان الهادئ التوافقي الحواري المنفتح على صناعة المستقبل الكبير الذي يتناسب مع دوره المميز الذي يتمثل بعبقرياته الثقافية الإنسانية، هو الوطن الذي يحتضن أبناءه ويمنح المنطقة الكثير من الإيجابيات السياسية والثقافية.
وعلى الذين يتعقدون من أي توافق بين اللبنانيين بما يؤدي إلى إسقاط الفتنة، ولاسيما بين المسلمين، سواء كان جزئيا أو كليا، أن يتقوا الله في بلادهم على مستوى الوطن والمواطن الإنسان.
وأخيرا... إننا أمام هذه الكارثة التي يعيشها الناس على المستوى الاجتماعي، وعلى مستوى فقدان الحدّ الأدنى من الخدمات، وخصوصا في مسألتي المياه والكهرباء، وصولا إلى مسألة تصحيح الأجور وما يعانيه العمال والموظفون ومحدودو الدخل، نستغرب حال اللامبالاة من المسئولين حيال معاناة الناس، وانخراطهم في سجال سياسي بشأن القضايا المعيشية بالطريقة التي تشير إلى أن الجميع يتبرأون من دم هذا الصدّيق.
إننا نحذّر من أن هذه المماطلة في المعالجة، وهذا التباطؤ في الحركة، سيدفع الناس إلى تصعيد احتجاجاتهم بالطريقة التي تزيد الواقع الاجتماعي والأمني تعقيدا، ونقول للجميع: إننا لا نمانع من أن ينطلق حواركم الذي يستمر الجدل حوله توسعة وتضييقا، ولكنَّ ثمّة أمورا لا يمكن أن تنتظر، وخصوصا تلك التي تتصل بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للناس على أبواب شهر رمضان المبارك، وعلى أبواب العام الدراسي المقبل.
أيها الناس... أيها المسئولون: احذروا صولة الفقراء، احذروا حركة العمّال والمستضعفين والمحرومين، قبل أن يلفظكم الواقع، لأن المستقبل سيقول فيكم كلمته على كل حال
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 2184 - الخميس 28 أغسطس 2008م الموافق 25 شعبان 1429هـ