قبل أيام قرّر باراك أوباما اختيار السيناتور جوزيف بايدن نائبا له وهكذا فعل. بايدن تلقى ذلك الاختيار وهو في عيادة للأسنان بمعية زوجته، وتلقى مؤيّدو أوباما الخبر برسالة على هواتفهم المحمولة، لكنني غير مُحيط بالكيفية التي تلقى فيها العراقيون ذلك الخبر وهم المعنيون أكثر من غيرهم بما يجري في واشنطن.
فبايدن هو صاحب فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث كيانات. سُنّي (غرب) وشيعي (جنوب) وكردي (شمال) تكون مُستظلّة تحت حكومة مركزية واحدة وضعيفة غير مبسوطة اليد. وهو مشروع لا يخلو من خلفيات تاريخية بدأت تظهر عمليا منذ بداية عقد التسعينيات.
خطورة المشروع لا تكمن فقط في تبنّيه من قِبَل شخصية مسئولة في الحزب الديمقراطي ورئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ، والآن أصبح نائبا لرئيس مُتوقّع؛ وإنما في كون المشروع قد سُوّق وعُرِضَ على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، بل إن إدارة جورج بوش (الجمهورية) تعاطت مع الموضوع بجدية تامة العام الماضي.
والأخطر من كل ذلك أن بطونا سياسية عراقية نافذة باتت تأكل من ذات الإناء الذي تنضح منه دعوات الفدرلة بعد أن كانت تعارضه منذ العام 1992. بل وكانت تُعارضه السردية التاريخية الشيعية منذ ثورة العشرين وتأسيس الدولة العراقية الحديثة.
بالرجوع إلى جوزيف بايدن (ليس كشخص وإنما كنائب لرئيس متوقّع للولايات المتحدة الأميركية) يُصبح الحديث أكثر جدية في هذا المجال. فالنيابة عن الرئيس في واشنطن حتى وإن لم يكن لها صورة إجرائية مباشرة كما هو الحال بالنسبة لمنصب وزير الخارجية باستثناء رئاسة مجلس الشيوخ إلاّ أن تجريبا حديثا يتعلّق بديك تشيني يُعطي مؤشرات كثيرة خارج نطاق النواحي الدستورية.
فتشيني بدا وخلال فترتي رئاسة جورج بوش كوجه رديف للرئيس بل موازي له ليس على المستوى الدستوري فقط وإنما على المستوى العُرفي والتفصيلي الأمر الذي ساهم كثيرا في تكريس واقع اليمين المحافظ داخل الإدارة.
بل إن الكثيرين باتوا يتحدثون عن أن تشيني وإلى ما قبل بداية هذا العام كان هو الأكثر تأثيرا على قرارات الإدارة من السياسة الخارجية وحتى شؤون البيئة نظرا لجسارته وقوة شخصيته الطاغية على قدرات رئيسه. وفي غير مرة أسند له بوش كامل صلاحياته، أشهرها في العام 2002 والعام 2007.
وإذا كان التاريخ الأميركي يُسجّل في مضابطه أن أربعة عشر نائبا للرئيس أصبحوا رؤساء للولايات المتحدة بشكل رسمي، فإن تشيني هو الرقم الخامس عشر. بالتأكيد فإن ذلك التعميد لم يتحول إلى حالة رسمية لكن أحدا أيضا لا يستطيع أن يُنكر أن ذلك قد تصيّر إلى حالة ضمنية بعد نجاح خيار الحرب على أفغانستان والعراق والذي كان يقوده ديك تشيني.
اليوم يعود التاريخ الأميركي من جديد. فباراك أوباما لطالما تمّ التهكّم منه لقلّة خبرته في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية. وبما أن أهم الأسباب التي دفعت بأوباما لأن يختار جوزيف بايدن نائبا له هو خبرته الطويلة في مجال السياسة الخارجية والدفاع والتي تمتد لأكثر من 35 عاما، وبالتالي مناجزة خبرة خصمه جون ماكين؛ فإن الأمور لا يمكنها أن تتوازى بين الرجلين بكل تأكيد.
وإذا ما علمنا أن قوة ديك تشيني الشخصية وقوة موقعه كنائب للرئيس دفعت بأن يتصقّر خيار الإدارة الأميركية نحو احتلال العراق، فإنه ومن غير المستبعد (عند فوز أوباما) أن يستطيع بايدن من خلال قوة شخصيته وخبرته الطويلة ونيابته للرئيس بأن يدفع بخيار تقسيم العراق إلى كردستان وشيعستان وسُنّستان.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2183 - الأربعاء 27 أغسطس 2008م الموافق 24 شعبان 1429هـ