بعد أيام نستقبل شهر رمضان المبارك بلغنا الله وإياكم صيامه وقيامه، وأعاده الله على الجميع بالخير والبركات.
شهر رمضان هذا العام ربما يختلف كثيرا عما قبله من سنوات ماضية، هذا العام يبدأ مع بداية العام الدراسي الجديد، وكلنا يعرف حجم النفقات الكبيرة التي تخصصها العوائل بغض النظر عن مستويات دخولها لكل من شهر رمضان المبارك وما يفرضه الشهر الفضيل من عادات وتقاليد اعتاد الناس عليها وصارت التزاما منهم إليه، وما يتطلبه افتتاح المدارس واستقبال العام الدراسي الجديد وما يحتاجون إليه من أغراض وتجهيزات لأبنائهم سواء للمدارس أو للجامعات.
«الدنيا صارت نار»، والأسعار صارت جحيما لا يطاق، والغلاء بات شبحا يطارد الجميع بلا رحمة، ولا يمكن هزيمته، ففي النهاية هناك احتياجات أساسية لابد من توفيرها سواء استطعنا أم لم نستطع، والله يكون في عون الفقراء المساكين أصحاب المرتبات الضعيفة، التي لا تسد رمقهم.
اليوم الدينار الواحد لا يكفي لأن يكون مصروفا لطالب في الجامعة، في حين كان في يوم من الأيام مصروفا لأيام.
وبعد الشهر الفضيل هناك مناسبة دينية أخرى تلح علينا صرف المزيد من النفقات فهناك عيد الفطر المبارك لتوزيع العيديات وشراء ملابس العيد، وتحضير المأكولات والحلويات الخاصة بالمناسبة، بل إن هناك من يسافر إلى الأماكن المقدسة لتأدية العمرة، وزيارة النبي بعد شهر كامل من الصيام والتقرب إلى الله تعالى.
وقد طالب البعض ولأسباب عديدة وناشد تأخير افتتاح المدارس إلى ما بعد شهر رمضان، بحجة التعب وضعف التركيز، وعدم قدرة الصائم على الفهم والاستيعاب، وقتها كنت في قرارة نفسي أرى أن المطلب غير منطقي أصلا، بل إن شهر رمضان المبارك، شهر العبادة والطاعة والعبادة تحتاج فيه أيضا إلى تركيز وطاقة، فلا يحق لنا أن نتهم الشهر بالخمول والكسل والتعب، ولكن عاداتنا السلوكية هي التي لصقت به تلك التهم جزافا، بل إن فرصة الإنسان مع خلو المعدة من الطعام أن ينجز الأعمال التي تحتاج إلى تركيز كبير بدلا من التخمة، ولا ننس أن الصيام صحة أصلا.
ولكن عندما أتأمل الأوضاع المالية لغالبية الأسر أرى أن من الصعوبة بمكان توفير احتياجات الشهر الفضيل إلى جانب احتياجات المدارس ومن ثم العيد، فهناك ضغط كبير على الموازنات، وخصوصا أن قبلها هناك الإجازات الصيفية والتي أكلت ما تبقى من الموازنات إما لأسباب السفر خارج البحرين أو البقاء في البحرين ولوازم الترفيه والنزهات.
لقد اختفت الطبقة المتوسطة ولم يعد هناك سوى طبقتين: ميسورة الحال، أو ضعيفة الحال، وضعيفة الحال أصبحت كبيرة جدا لدرجة أنها لا تستطيع أن تعيش من دون قروض أو سلف مالية، فهم ينتظرون نهاية الشهر بفارغ من الصبر لتسلم المرتبات وما أن يتسلموها حتى تصرف بالكامل على مديونيات وقروض والتزامات لتبدأ رحلة العذاب من جديد والصبر.
لذلك لم يفت بعض النواب أن استفاد سابقا من الأوضاع المالية وحاولوا عبثا دغدغة مشاعر الناس بالعيديات والرقص والتغني على مطالب الطبقة المعدمة فكانوا أن وظفوا مشاريع الرغبات للتقرب لأصوات الناخبين لتبدأ حينها الدعايات الانتخابية، والنتيجة العقيمة دائما أنه لا عيديات ولا هم يحزنون.
البعض استفاد من تأخر علاوة الغلاء فقد جاءت في أوقات مهمة وحساسة جدا، ولكن البعض عول عليها كثيرا إلى حد أنه اقترض ما أحتاج إليه قبل تسلمه العلاوة، وما إن تسلم العلاوة حتى سدد بها قروضه والتزاماته المالية، ولم يبق في الجيب شيء للاستفادة منه في المناسبات الثلاث.
نحن في خضم هذه الظروف نراقب الدول من حولنا ووجدنا الأردن الذي لا نختلف عنه كثيرا، على رغم كوننا نمتلك ما لا يمتلكه من حقول النفط والغاز الطبيعي، قد قام ملكهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بمبادرة ملكية مهمة أثلجت صدورهم وساهمت بإزاحة جزء كبير من همومهم، حيث أوعز للحكومة في الأسابيع الماضية بتخصيص مبلغ مئة دينار ستصرف خلال شهر أغسطس/ آب الجاري وقبل حلول شهر رمضان المبارك، لكل فرد من العاملين والمتقاعدين في القطاع العام والمؤسسات الحكومية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية وذلك بمناسبة شهر رمضان المبارك.
يذكر أن إجمالي المستفيدين منها 773 ألفا وبكلفة 3,77 ملايين دينار، وقد جاءت بهدف التخفيف من الأعباء الاقتصادية على المواطنين وتأمين جزء من الاحتياجات المعيشية الأساسية للشهر الفضيل، وكان للمبادرة الملكية صدى إيجابي كبير في الشارع الأردني.
وجاءت «بلا طنة ولا رنة» والجميع سيقبض الـ100 دينار، ولم يذل المواطن الأردني ولم يهن، وأتوقع أن تكون عادة ملكية ستتكرر.
نراقب ونسأل أنفسنا: ألا يستحق المواطن البحريني هو الآخر أن يحظى بما حظي به المواطن الأردني، ويحصل على ما حصل عليه، لنفس الأسباب ولكونه يعيش الظروف نفسها وربما أسوأ منه، أم أن الغلاء المستشري في الأردن فقط، وهنا الرفاهية الاقتصادية قد تحققت في أروع صورها ولم نعد في حاجة إلى معونات، ونحن لا ندري؟!
يبدو أن الحكومة لا تريد أن تنجز هذه الخطوة ولو كانت كذلك لكانت قد استغلت الوضع وحققت مكاسب تحسب لها لأن دور الانعقاد الثالث لم يبدأ بعد. عموما، ننتظر السادة النواب أن يعودوا مجددا إلى جلساتهم بعد انتهاء الشهر الفضيل ليزايدوا علينا، ونحمده أن الشهر الفضيل سيأتي وهم في بياتهم الصيفي وقطع عليهم باب الدعايات الانتخابية للدور التشريعي القادم لتثبيت مواقعهم
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2183 - الأربعاء 27 أغسطس 2008م الموافق 24 شعبان 1429هـ