العدد 2183 - الأربعاء 27 أغسطس 2008م الموافق 24 شعبان 1429هـ

«إسرائيل» سوف تفقد عنصر الوقت إذا لم تتصرف

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

نسترجع أنا وأصدقائي أحيانا ذكرياتنا عندما كنا في التاسعة من عمرنا. التاسعة هو السن الذي فقدنا فيه جميع أسنان الحليب، والذي توقفنا فيه عن لعب لعبة لبس ثياب الكبار، ولكننا بقينا نلعب بعروسة باربي.

إلا أنه كان هناك فرق واحد كبير بين سن التاسعة عندي وعند صديقاتي. عندما كنت في التاسعة من عمري أعيش في القدس في قمة الانتفاضة الثانية فجر رجل نفسه خارج مدرستي.

كنت أذهب إلى مدرسة القدس الدولية، وهي المدرسة الوحيدة باللغة الإنجليزية في المدينة. كان المبنى الحجري الضخم في الماضي مستشفى ولدت جدتي فيه والدي.

يقع المبنى على شارع يشكل معبرا بين القدس الشرقية والغربية. اسم الشارع هانيفييم (الأنبياء) ولكن قبل ست سنوات أطلق عليه سكان القدس المرعوبين اسم «ممر الانتحاريين»، لأن العديد من المفجرين الانتحاريين عبروه من الشرق إلى الغرب، وقاموا أحيانا بالتفجير وهم في طريقهم إلى أهدافهم.

الشرق والغرب. أسود وأبيض. كان ذلك هو الوضع الذهني في السنتين اللتين أقمت أثناءهما في «إسرائيل».

ذهبت قبل المدرسة الدولية إلى مدرسة أخرى في الشارع نفسه حيث كنت أقيم مع عائلتي، قرب حي المستعمرة الألمانية German Colony. قبل بدء الدراسة كان الطلاب القساة يقفون على كراسيهم ويصرخون «الموت للعرب، الموت للعرب». كان الجميع ينضمون إلى الجوقة. كنت أنا وصديقتي البريطانية ليا نجلس منفصلتين عن الأطفال الآخرين نقرأ الكتب الإنجليزية.

عندما انتقلت إلى المدرسة الدولية اعتقدت أنها منطقة آمنة، إلى أن أتى المفجر الانتحاري يمر عبر الشارع. سقط رأسه في ملعب المدرسة الفرنسية المجاورة لمدرستنا. يبدو الأمر طبيعيا. مر أكثر من نصف عقد من الزمان منذ تلك الحادثة، وغادرت عائلتي القدس وانتقلت إلى أرلنغتون بفرجينيا. زاد عمري ست سنوات أخرى، وأصبحت أكبر وأكثر أمنا وحكمة.

وعلى رغم ذلك، عندما مشيت أنا ووالدي عبر مركز مدينة القدس في طريقنا إلى فندق دان بانوراما حديثا، كان من الصعب فهم مدى تغيير الجو في مدينة القدس.

بدت الحياة طبيعية، إذا تجرأت على قول ذلك. كان أناس طبيعيون يسرعون في الأزقة الضيقة في المدينة القديمة ذات الغالبية العربية بدلا من الإسراع بالخروج منها. كان فندق الملك داوود، الذي قدم لنا الجناح الرئاسي عندما كنا في طريق الخروج العام 2002، عندما كان الفندق خاويا تقريبا، ممتلئا الآن.

نادرا ما يتكلم جدي وجدتي الآن عن «الوضع»، الذي كان هو الوضع المسيطر على الحديث عندما كانت عائلتي تقيم في القدس.

تمر السنوات الست بسرعة بالنسبة إلى فتاة تكبر وتنمو. لم تكن هناك حاجة إلى أكثر من ست سنوات لتحويل مدينة عنيفة مخيفة إلى مقصد مزدهر للسياح.

وعلى رغم ذلك، وخلال جميع الاجتماعات التي حضرتها طوال أيام ستة مع منظمة «الأميركيون من أجل السلام الآن» أثناء رحلة تقصي الحقائق الشهر الماضي، كان هناك دائما شعور بالإلحاح. «الوقت ينفد بسرعة»، كان الجميع يقولون لنا. «يجب القيام بعمل ما».

تساءلت كثيرا. «لماذا؟» أنظروا إلى الخارج. يسير الأزواج على الأرصفة مع أطفالهم. يجلس العرب في المقاهي مع اليهود. يبيع التجار في المدينة القديمة قبعات الجيش الإسرائيلي وقمصانه.... «الوقت؟ الوقت، لماذا؟» سألت نفسي.

إلا أنه خلال الأسبوع أدركت أنه إذا لم تبدأ «إسرائيل» بالتغير الآن فلن تتمكن من الاستمرار لفترة طويلة كدولة يهودية. سوف ينفد الوقت لدى «إسرائيل» إذا لم تتصرف فورا لحل نزاعها مع الفلسطينيين جيرانها.

صحيح أن التوصل إلى معاهدة سلام الآن يبدو مستحيلا. تفتقر حكومات غير شعبية يتزعمها سياسيون ضعفاء على الجانبين إلى القوة السياسية وثقة الجمهور لتوقيع اتفاقية. اتفق جميع المتحدثين في مؤتمرنا تقريبا، إسرائيليين وفلسطينيين وأميركيين، على ما يبدو على ذلك.

ولكنهم اتفقوا كذلك على أن بالإمكان تحقيق بعض التقدم الآن، وبأن أي تقدم مهم يعتمد على مساعدة من الإدارة الأميركية، إلا أن الأمر يعتمد بشكل رئيسي على الجمهور الإسرائيلي. قبل ست سنوات، استحوذت السياسة بشكل كامل تقريبا على الإسرائيليين. اليوم يمكن لمجرد ذكر كلمة «سياسة» للإسرائيلي العادي أن يُؤدي إلى الغثيان.

أبدت إحدى المتحدثات في مؤتمرنا هي تامار هيرمان التي تقوم بإجراء استطلاعات صحافية ملاحظة مفادها أن الإسرائيليين ذهبوا إلى ما وراء التخلص من السياسة. لقد أصبحوا الآن معادين للسياسة.

أخبرتنا عن استطلاع أجري مؤخرا أظهر أن 25 في المئة من الإسرائيليين يقولون إنهم يشعرون بالغثيان عندما يسمعون كلمة «سياسة». يكره الإسرائيليون كل ما يتعلق بالسياسة، على رغم أنه يمكن للعملية السياسية في «إسرائيل» أن يكون لها وقع وجودي على مستقبل الدولة.

لدى الإسرائيليين بالطبع العديد من الأسباب لكي يكرهوا السياسيين والسياسة، فقد اتُّهِم رئيس الوزراء إيهود أولمرت بانخراطه في فضائح فساد. كذلك اتُّهِم رئيس الدولة بقضايا اعتداء جنسي وتحرش جنسي. ويواجه سياسيون آخرون عقوبات بالسجن بسبب الفساد.

أثناء حفل غداء مبكر يوم السبت قبل أن أغادر بصحبة والدي إلى واشنطن، أرانا صديق للعائلة ملصقة على غلاف الوجبة الغذائية البلاستيكي في الطائرة في رحلة قام بها مؤخرا إلى الخارج. كان على الملصقة، وفي تعبير للتعايش السلمي، ختم يدل أن الطعام مقبول دينيا لليهود (كوشر) وكذلك حلال للمسلمين. «هنا بالضبط يكمن الأمل في السلام!»، قال صديقنا منتصرا.

تساءلت: ماذا سيكون الوضع عليه في المرة القادمة عندما آتي إلى «إسرائيل»؟ هل سيكون القادة الإسرائيليون حققوا خطوات مهمة باتجاه السلام؟ هل سيكون الزعماء الفلسطينيون فعلوا ذلك؟ هل سيحقق الأميركيون ذلك؟ هل يهتم الناس أصلا، أم سأعلق في وسط انتفاضة ثالثة؟

آمل أن يتوقف الناس، عندما أقوم بزيارتي التالية عن النظر إلى العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية بالأسود والأبيض، وأن يركزوا بدلا من ذلك على الألوان الرمادية. آمل أن يدركوا أن «السلام» الذي يعيشون فيه الآن هو سلام مؤقت زائف.

على المدى البعيد، لن تكون الحياة لا طبيعية ولا مستدامة ما لم يقدموا التضحيات والخيارات الصعبة التي يتوجب تقديمها لتحقيق السلام مع جيرانهم.

لقد عدت إلى أرلنغتون الآن، وتبدو «إسرائيل» بعيدة جدا. ولكن بغض النظر عن وجودي في أي مكان سوف تستمر مشكلات تلك الدولة الصغيرة جدا والمعقدة بالتأثير على حياتي.

سوف يخرج النزاع الذي يرفض الإسرائيليون وغير الإسرائيليين بحثه عن السيطرة إذا استمررنا في تجاهلهم.

*تبلغ من العمر 15 سنة تتدرب في منظمة «الأميركيون من أجل السلام الآن»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2183 - الأربعاء 27 أغسطس 2008م الموافق 24 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً