طالعتنا صحيفة «الوسط» في عددها رقم (2172) الصادر في 17 أغسطس/ آب الجاري بتصريح لعضو كتلة الوفاق النائب سيدمكي الوداعي ذهب فيه إلى عدم اختصاص ديوان الخدمة المدنية بترخيص تكوين النقابات العمالية، وبناء على ذلك فإن التعميم رقم (10) لسنة 2003، بشأن أحقية العاملين الذين تسري عليهم أنظمة الخدمة المدنية في الانضمام إلى النقابات الذي أصدره ديوان الخدمة المدنية يقع باطلا لعدم الاختصاص، وهو رأي لم يسبقه إليه أحد من المعنيين أو المهتمين بالأمر إن كان الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أو نشطاء العمل النقابي أو مكتب العمل الدولي صاحب الاختصاص دوليا بالشأن النقابي وهو جهة كما نعلم جميعا تزخر بالمختصين في شتى مجالات العمل والقوى البشرية والقانون وما إلى ذلك، أو المحكمة الإدارية أو محكمة التمييز التي قضت في الطعن رقم 480/2005م بتاريخ 3/4/2005م القضية رقم 5956/2005م بأن «التعميم المذكور قد وقف عند ما قرره القانون - في هذا الخصوص - من دون أن يستحدث بذاته أحكاما مغايرة له وعبر بذلك عن إرادة المشرع - في تفسيره لها - لا عن إرادة الإدارة الذاتية، ومن ثم لا يعد قرارا إداريا، فلا تقبل الدعوى أمام القضاء بإلغائه، ويضحى الحكم المطعون فيه - إذ التزم هذا النظر - قد طبق القانون على وجهه الصحيح، بما يكون الطعن عليه خليقا برفضه»، وحيث أن التعميم المشار إليه لم يتطرق البتة إلى الترخيص بتأسيس النقابات لذا يلزم بيان ما يلي :
أولا: نصت المادة 4 من المرسوم رقم 33 لسنة 2002م بإصدار قانون النقابات العمالية على «تتمتع المنظمات النقابية العمالية المنصوص عليها في هذا القانون بالشخصية الاعتبارية المستقلة وذلك من تاريخ إيداع أوراق تكوينها لدى الوزارة» ويقصد بها وزارة العمل، وذلك أمر لا خلاف بشأنه، ويعني ذلك الترخيص للنقابات العمالية المنصوص عليها في هذا القانون بممارسة العمل النقابي وإشهارها وإخفاء الشخصية الاعتبارية عليها، إلا أنه وفيما يبدو أن النائب الوداعي قد خلط بين أمرين وهما الترخيص للمنظمات النقابية المنصوص عليها في هذا القانون وكفالة الشخصية الاعتبارية لها من جهة، واختصاص ديوان الخدمة المدنية - في سياق اختصاصه بشئون الموظفين - بمخاطبة تلك الفئات من الموظفين العموميين التي قصر ذلك القانون حقها على مجرد الانضمام إلى النقابات القائمة، لذلك نجد أن الرأي الوارد بالصحيفة انبنى على خلط بين أمرين لا صلة بينهما لذلك انتهى إلى نتيجة خاطئة بحسبانه قد قام على تفسير خاطئ.
ثانيا: إن النقابات التي تختص وزارة العمل بالترخيص لها بممارسة العمل النقابي هي تلك النقابات المنصوص عليها في هذا القانون وهي النقابات المقصودة بعبارة (النقابات القائمة) كما ورد بالمادة 10، أي تلك النقابات التي يشكلها العاملون المشار إليهم بالفقرات (أ) و (ب) من المادة الثانية من القانون، أما فئة العاملين المشار إليهم بالفقرة (ج) من المادة الثانية، فهؤلاء من لا ينطبق عليهم الترخيص بتكوين النقابات العمالية إن كان ذلك من قبل وزارة العمل أو غيرها، فقد جاء نص المادة 10 من القانون صريحا بحيث قصر حق هذه الفئة على مجرد الانضمام إلى النقابات القائمة وهي تلك النقابات التي تنطبق عليها أحكام المادة الرابعة وتختص وزارة العمل بالترخيص لها، وعليه ولما كانت فئة العاملين المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية لا تملك طبقا للقانون حق تكوين أو تأسيس النقابات بل مجرد حق الانضمام إلى النقابات القائمة، لذلك يصبح من نافلة القول اختصاص وزارة العمل بالترخيص وعدم اختصاص الديوان خاصة وأن تلك الفئة لا تملك أصلا حق تأسيس النقابات حتى يكون لها حق الحصول على ترخيص حيث أن حقها مقصور فقط على مجرد الانضمام.
ثالثا: يجدر كذلك بيان أن تعميم الخدمة المدنية المشار إليه لا علاقة له بترخيص قيام النقابات من قريب أو بعيد، لذلك فإن القول بعدم اختصاص الديوان بالترخيص في غير محله، فضلا عن أنه أمر لم ولن يدعيه المختصون بالديوان، فالتعميم هذا قد صدر قبل صدور القانون من قبل ديوان الخدمة المدنية باعتباره الجهة المختصة بشئون الموظفين العموميين وذلك طبقا للمرسوم رقم 6 لسنة 1975 بإنشاء ديوان الموظفين وقرار رئيس الوزراء رقم 6 لسنة 1987 بشأن تولي ديوان الموظفين الإشراف المركزي على جميع العاملين في خدمة حكومة البحرين، وبذلك يكون قد صدر في سياق صميم اختصاص الديوان بتولي الإشراف على شئون العاملين المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية إذ هو الجهة المختصة كذلك بتنظيم شئون هؤلاء الموظفين وإصدار ما يراه ملائما في هذا الشأن طبقا للقوانين واللوائح، علما بأن ديوان الخدمة المدنية لم يبادر فور صدور القانون بإصدار هذا التعميم بل إن التعميم صدر نزولا على جدل ثار حول المادة 10 بأجهزة الإعلام صاحبه قيام قلة من العاملين بالجهات الحكومية بتشكيل تنظيمات أطلقوا عليها مسمى نقابات وكذلك استفسار المختصين بتلك الجهات الحكومية ديوان الخدمة المدنية عن مشروعية قيام تلك الكيانات بها، لذلك أستفتى ديوان الخدمة المدنية دائرة الشئون القانونية كجهة مختصة بإصدار الفتوى وذلك في شأن تفسير المادة 10 من القانون وبالتالي مشروعية تلك الكيانات التي أنشأها نفر قليل من الموظفين العموميين بالمخالفة لأحكام القانون، فأفتت الدائرة بفتوى صادفت صحيح حكم القانون وبناء على ذلك أصدر ديوان الخدمة المدنية التعميم المشار إليه متماشيا مع الفتوى، وبهدف بيان صحيح أحكام القانون للموظفين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية حتى لا يأتوا بما من شأنه مخالفة القانون، وذلك نزولا على اختصاص الديوان بشئون الموظفين العموميين كما ورد في حكم محكمة التمييز التي يعتبر حكمها بمثابة حصانة للتعميم من الإلغاء.
خلاصة الأمر كان يجدر بالنائب الوداعي قبل الخوض في تفسيرات لا تحتملها ظواهر النصوص أو جوهرها أن يأخذ بتلك النصوص بالدقة والأناة اللازمين، وأن يطلع على حكم محكمة التمييز في الطعن المشار إليه بدلا عن الخلط بين الترخيص الذي يقصد به الإشهار واكتساب الشخصية الاعتبارية وذلك ما تختص به وزارة العمل
العدد 2182 - الثلثاء 26 أغسطس 2008م الموافق 23 شعبان 1429هـ