يؤكد صناع الدراما المصرية أن شهر رمضان هو الموسم الوحيد الذي يستقبل جميع الأعمال الدِّرامية سواء الدينية، أوالاجتماعية أوالسير الذاتية نظرا إلى ارتفاع نسبة المشاهدة التي تفتح الباب أمام تسويق الإعلانات، وهذا يساعد هذه الأعمال على تغطية كلفتها التي تصل إلى ملايين الجنيهات.
وأشاروا إلى أن السمة الغالبة على المسلسلات الدرامية في رمضان هذا العام هي تقديم السير الذَّاتية لمشاهير الفن أو الشخصيات الدينية حيث يتم عرض أكثر من عمل من هذه النوعية مثل مسلسل «العارف عن حياة الإمام عبدالحليم محمود» الذي يجسده الفنان حسن يوسف وآخر عن حياة «الزعيم جمال عبد الناصر» بطولة مجدي كامل وثالث عن المطربة «أسمهان» وتقدمه الممثلة السورية سلاف فواخرجي، موضحين أن السبب في ذلك هو إقبال الجمهور على الجلوس أمام التليفزيون لساعات طويلة وبالتالي فهذا ضمان للمتابعة لما ينتج من مواد درامية.
وأضافوا في الزمن السابق كانت تعرض أعمال سير ذاتية ولكن كلها في رمضان كما أن هناك أعمالا لم تحقق جماهيرية كبيرة مثل مسلسل «العملاق» الذي قدمه الفنان الراحل محمود مرسي عن شخصية الكاتب عباس العقاد... عن هذا الاختلاف الذي دخل الساحة الرمضانية والآراء المتعددة التي تتفق في جانب وتختلف في آخر تدور هذه السطور:
تقول الكاتبة لميس جابر مؤلفة مسلسل «الملك فاروق» الذي عرض العام الماضي وحقق نجاحا كبيرا: أنا لست مقتنعة أساسا بكلمة مناسب أو غير مناسب للعرض في رمضان، وتقديم الأعمال الدينية في رمضان ليس هو الهدف الوحيد، الهدف إذا عدنا إلى الوراء قبل وجود التليفزيون كان يوجد شاعر الرَّبابة الذي يقوم بتسلية الناس وتقديم نوع من السَّمر اللطيف يجعل الناس «سهرانة» إلى وقت السحور، وإذا كان هناك عمل «غير مناسب» للتقديم فيكون لأنه غير مناسب في حد ذاته كعمل وليس للارتباط بالعرض في وقت معين أو لا، فالفن حر، لا تحكمه معايير أخلاقية وغير أخلاقية ودينية وغير دينية ورمضانية وغير رمضانية، فقد أصبح الآن رمضان هو «فترة سوق الفيديو» مثلما نجد موسم السينما الأمثل هو الموسم الصيفي، وخصوصا بعد انتشار الفضائيات فأصبحت محتاجة إلى ملء يوم كامل بكل ما هو متاح من برامج إعلانية وسيت كوم ومسلسلات سواء سير ذاتية أم غير سيرة ذاتية.
صداع
ويقول السيناريست عاطف بشاي الذي كتب مسلسل «السندريللا» عن قصة حياة سعاد حسني والتي جسدتها النجمة منى زكي: «إن التسويق الآن صنع شيئا غريبا بحيث لا توجد حاليّا أعمال تنتج لغير رمضان فقد تغير نظام الإنتاج تماما وأصبح يدار من خلال شيئين أولهما الإعلان، والثاني ضرورة وجود نجم يسوق للعمل وهو أيضا في دائرة أن يعود باسمه هذا بأكبر كم من الإعلانات، فلم يعد في هذا الإطار ما هو مناسب لغير رمضان لأن كل الأعمال الحديثة التي تُنتج تنتج في الأساس لشهر رمضان»·
ويضيف «كان زمان كبار الكتاب مثلا يقولون لا تهمنا مسألة العرض الرمضاني، الآن أصبحت حقيقة تهم كل العاملين في المجال وأصبحت صداعا كبيرا ولاسيما أنه ليس هناك مقياس ثابت لقياس جميع أذواق الجمهور المتباينة في الجنس والسن والثقافة، فعندما نخاطب جمهور التليفزيون وهو كتلة هلامية من البشر غير المتجانسة فيصعب تحديد المناسب وغير المناسب، فيما أصبح مستوى ما يقدم بشكل عام رديء جدّا ومع ذلك الناس يجلسون لمتابعته حتى إذا كانت هناك هوة بين المستوى الفني وبين ذوق المتلقي. ونجد أحيانا مسلسلات شديدة الرجعية وتحظى بأكبر نسبة مشاهدة فلم يعد هناك معيار محدد حاليا لقياس على ماذا ستطل الناس سواء في رمضان أم غيره؟
مسابقات
تقول الناقدة خيرية البشلاوي: رمضان أصبح شهر «الأكل والمشاهدة» في عالم مكتظة فيه الأمور جدا، ووسط إنتاج ضخم وكثير متنوع بين الغث والسمين، فأصبح رمضان مناسبا لعرض كل الأنواع، فهو الموسم الذي تتسابق عليه كل القنوات لتقديم أحسن مائدة وإن كانت دسمة من العام إلى العام سواء كانت مسلسلات سير ذاتية دينية أو أعمالا اجتماعية أو حتى سياسية في إنتاج يصل إلى أربعين مسلسلا، فطبيعي أن تكون هناك فرصة للتنوع ورمضان بشكل عام يتسع إلى كل المواضيع لأن الناس جالسون أمام التليفزيون محتاجون إلى أن يغطون كل وقتهم من الإفطار إلى السحور، وكذلك رمضان يحقق أعلى نسبة كثافة مشاهدة وسط عشرات بل مئات القنوات الأرضية والفضائية، وعلى المنتج أن يقدم كل ما يمكن وعلى المشاهد أن يختار ومن ثم لا يمكن قصر الإنتاج على نوع معين من الأعمال من دون غيره.
الناقدة ماجدة خير الله ترى أن الأعمال على اختلاف أنواعها تنتج في المطلق، من دون تحديد موعد سابق لعرضها لكن الوضع فرض نفسه بأن الأعمال القوية أصبحت تخصص للعرض في رمضان وأصبح رمضان هو الشهر المرتبط بفكرة العرض الأول للأعمال فيما أصبح «موسما» وأصبحت المحطات الفضائية لا تهتم بشراء المسلسلات الجديدة إلا للعرض في رمضان وبالتالي يسعى منتجو الأعمال سواء كانت تتناول سيرا ذاتية أم أعمالا اجتماعية أم غيرها للعرض في هذا الشهر لأن الرهان الآن على أي مسلسل «متكلف» أن يعرض ليعود بمكاسب فأصبحت المسألة مسألة تسويقية بحتة.
أما الناقد طارق الشناوي فيقول: «دعونا نكون صريحين... طالما موسم المسلسلات مرتبط بقوة اقتصادية فسيظل رمضان موسما لهذه المسلسلات سواء كانت دينية أم اجتماعية أم وطنية، ففي النهاية هناك منظومة اقتصادية هي التي تحرك كل (اللعب) وقانون اللعبة يقول: إن رمضان يحظى بنسبة مشاهدة عالية تأتي بأضخم عائد من الإعلانات التي تغطي كلفة الإنتاج التي تصل إلى عشرات الملايين، وهو بالتالي فرصة لطرح المسلسلات الكبرى لأن كلفتها كبيرة ويصبح الرهان على الشخصيات التي تقدمها هذه السير الذاتية سواء الشخصية الحقيقية التي نتابع قصة حياتها أم شخصية النجم أو النجمة التي نقدمها· والمفروض أن العمل الجيد يفرض نفسه ويقدم في أي وقت، ولا يوجد شيء اسمه الحكر على رمضان لأن رمضان شهر يحتمل تقديم كل النوعيات... المهم أن يكون العمل نفسه جيدا».
العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ