العدد 2181 - الإثنين 25 أغسطس 2008م الموافق 22 شعبان 1429هـ

حرية التعبير طريق باتجاهين

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كنت في العام 1989، عندما أشعل نشر كتاب سلمان رشدي «آيات شيطانية» ظاهرة جديدة من الاحتجاجات من قبل المسلمين، خصوصا المسلمين في الغرب، كنت سناتورا في مجلس طلبة جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حيث ولدت حركة حرية التعبير والكلام في ستينيات القرن الماضي.

تم حرق متجرين لبيع الكتب، في ردٍ على ما يبدو، على نشر الكتاب، على رغم أن أحدا لم يدّعِ المسئولية.

ظهرت مع عدد من الطلبة المسلمين يومها على شاشات التلفزة المحلية لشجب حرق المكتبات وإيضاح إيماننا بأنه على رغم الإهانة التي تعرض لها المسلمون بشكل يمكن فهمه، إلا أنه لا يحق لأحد أن يفرض رقابة أو يهوّل على الغير بالتهديدات لأمنهم أو ممتلكاتهم.

وضَعَنَا ذلك الموقف في وضع فريد بحيث أصبحنا هدفا للإساءة من قبل المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، الذين وصمونا بأننا نحاول تبرير رغبة لفرض معتقداتنا على الغير(كان هذا من قبل الجمهور عموما)، أو الاعتذار لغضب إسلامي شرعي، بغض النظر عما إذا كان قد عبر الخطوط الحمراء نحو العنف (وهذا من طرف اخواننا في الإسلام).

كان ذلك تناقضا ساخرا كرر نفسه مرات كثيرة في السنوات العشرين منذ ذلك الحدث، وقد حدث أخيرا في حالة الرسوم الدنماركية وردة الفعل العنيفة التي أبداها بعض المسلمين حول العالم تجاهها.

لم تتمحور بعض المجابهات الأكثر إيذاء بين المسلمين وغيرهم أثناء هذه الفترة حول السياسة أو السياسة الخارجية، وإنما في ساحة حرية التعبير هذه.

بالطبع اتخذ المسلمون موقفا استثنائيا من الأسلوب الذي جرى فيه تصوير دينهم من قبل بعض الفنانين والكتاب والأكاديميين.

انتقد غير المسلمين بدورهم بعض الكتب التي ألفها مسلمون والتي اعتُبِرت عدائية، مع المؤسسات التي تقوم ببيعها (وقد فعلنا نحن ذلك، بالمناسبة). في كلتا الحالتين يتحدث الناس أحيانا تجاه وفوق بعضهم بعضا بدلا من أن يتحدثوا مع بعضهم بعضا. لا يجري تبادل الأفكار، وتستمر الدائرة في الدوران من دون أن يوقفها أحد.

لماذا يبدو المسلمون إذا حسّاسين لما يقوله الإعلام عنهم؟

شعر المسلمون تقليديا بالتعب من العراك عموما خلال العقود القليلة الماضية بينما تصبح صورتهم في الإعلام مشوشة لا تمثل المسلم العادي بشكل متزايد. وبينما هم يكافحون ضد هذا التصوير، يقال لهم إن المتطلَّب المسبق لتغيير هذا التصوير هو أن يقوموا هم بتغيير سلوك المتطرفين الإسلاميين الموجودين بعيدا خارج مكان تأثيرهم، أحيانا على بعد عالم كامل عنهم، بشكل له معنى.

يشعر المسلمون في هذا الموقف أنه لا يوجد أمامهم خيار آخر باستثناء الدفع المعاكس بقوة ضد تصاوير مهينة لا تمثلهم. إلا أن بعضهم، ولسوء الحظ، يدفع باتجاه أبعد مما هو ضروري. ولكن المسلمين ليسوا وحدهم في هذا المجال. تفعل أصوات تسعى لتهميش وجود المسلمين في الطرح العام الشيء نفسه.

يُثبِت مثالان حدثا أخيرا ذلك: محاولة عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك بيتر كنغ وغيره منع عرض إعلانات «لماذا الإسلام» في خطوط الأنفاق في مدينة نيويورك (بناء على سمعة مساند خارجي لهذه الإعلانات فقط)، ومناشدات البعض منع نشر الكتاب المقبل «جوهرة المدينة». لم ينجح أي من الجهدين في التعامل بنجاح مع الخلاف، الذي سيبقى ساكنا ليظهر في يوم آخر.

علمتني مشاهدة هذا التبادل عبر الزمن أن أفضل رد على حرية الكلام هو ببساطة كلام أكثر بالمقابل. يجب أن يكون لأي شخص الحق بنشر ما يريده عن الإسلام والمسلمين، حتى ولو كانت وجهات نظرهم عدائية، من دون خوف من الرقابة أو الانتقام.

إلا أنه يجب عدم التوقع أن يكون المسلمون مستهلكين سلبيين لهذه الآراء. يحق للمسلم الذي تعرّض للإهانة، بل من مسئوليته المؤكدة، أن ينتقد بنشاط أي شيء مكتوب عنهم وعن دينهم، بشرط ألا يعبروا الخط الأحمر إلى التخويف والإكراه. في عالم مثالي يفتح كلا الطرفين عقولهم بشكل كافٍ لفهم وجهة نظر الطرف الآخر.

سيستغرق جعل الناس على طرفي هذه المعادلة يتبعون هذه الإرشادات الكثير من إعادة التحضير والتنظيم. ولكن البديل، وهو مجتمع مسلم حساس جدا غير قادر على الرد بأسلوب بنّاء على الانتقادات الخارجية (أو حتى الانتقادات الداخلية)، مضافا إليه مجتمع صحافي (فني) علماني يشعر بالخوف الحقيقي ويُمنع عن حرية التعبير، لا يمكن أن يكون خيارا. نحن نشهد اليوم ركودا وسوء فهم متزايد يأتي من الطرح المختنق.

في نهاية المطاف لا يملك أحد الحق المطلق بألا يشعر بالإهانة، كما لا يملك أحد الحق بأن يعيش في غياب الآراء غير المريحة للآخرين. وهذا صحيح بغض النظر عما إذا كان يخص حرق الأعلام (الذي لا يضر شيئا سوى قطعة قماش) أو وجهات نظر غير المسلمين بالنبي محمد (ص)، الأمر الذي يجب ألا يكون له أثر على إيمان المسلمين الصادق.

يفترض كل من الدين والشعور العالمي بالحضارة والمدنية أن يجري كبح جماح المشاعر للحفاظ على النظام الاجتماعي.

في بيئة كهذه يمكن لحرية الكلام بشكل مفتوح، وجميع الفوائد التي تأتي معها أن تزدهر.

وحتى يتسنى السير قدما، نحتاج جميعا لأن ننمّي جلودا غليظة وعقولا أكثر تفتحا وتفهما مشتركا لمبادئ حرية الكلام، مثل تلك التي أثرت عليّ كتلميذ وسمحت لي بالتالي أن أؤثر على الآخرين. وقتها فقط يتمكن الجميع، مسلمون وغير مسلمين، من التقدم بمجتمعاتهم والحفاظ في الوقت نفسه على حقوقهم.

*رئيس تحرير «altmuslim.com»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2181 - الإثنين 25 أغسطس 2008م الموافق 22 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً