العدد 2180 - الأحد 24 أغسطس 2008م الموافق 21 شعبان 1429هـ

مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما جرى في القوقاز أرخى فرس الحرب في الخليج. بالطبع ليس الأمر في منتهاه ينحو إلى حرب تقليدية؛ بقدر ما يتعلّق بما يجري بين حدود الدبلوماسية وحدود الحرب، لأن تمييل الرأي بإفراط صوب عمل عسكري هو أمر غير صائب.

الإيرانيون لهم رأي خاص في موضوع القوقاز. فخلال الأزمة الأخيرة نأت وزارة الخارجية الإيرانية عن الدخول في تفصيلات ذلك الصراع بشكل مباشر وصريح مُتباينة في ذلك مع الموقف السوري الذي بدا قريبا جدا من خط النار وإلقاء الورقة بالكامل داخل المُربّع الروسي.

الموقف الإيراني الذي صدر في بداية الأزمة وبالتحديد في التاسع من أغسطس الجاري اكتفى بإبداء «قلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيال الاشتباكات في منطقه أوسيتيا الجنوبية والتي تسببت بخسائر بشرية وقتل الناس الأبرياء العزّل، والدعوة للوقف السريع للعمليات العسكرية وإغاثة الضحايا والتحلّي بضبط النفس وتسوية الموضوع بالطرق السلمية والحوار البناء».

بالتأكيد فإن روسيا هي الأقرب إلى الإيرانيين من جورجيا، لكنهم أيضا (أي الإيرانيين) لن يكونوا بأكثر مما كانت موسكو بالنسبة لهم. بمعنى آخر فإن الطرفين الروسي والإيراني يعتمدان على بعضهما البعض في نظام مصالح مُحدد لكنه قابل للتغيّر.

فالروس كانوا يطمحون إلى الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط، سواء من مضيق الفوسفور أو الدردنيل أو حتى عبر المحيط الهندي. وربما جاء إحياء قاعدة طرطوس في سوريا فرصة لهم للولوج في المتوسط. وبقي خيارهم إيران للوصول إلى مياه الخليج حتى ولو كان عبر موانئ فرعية في جزيرة قشم أو عند إيرانشهر أقصى جنوب البلاد.

الإيرانيون بدورهم يتطلعون إلى دعم روسي لهم في مجال الوضع القانوني لبحر قزوين في ظل الخلاف على فكرة ترسيم حدود المياه بحسب الاقتراح الأذري القائم على قواعد خطوط العرض الجغرافية لتحصل كازاخستان على 29 في المئة، وروسيا على 19 في المئة وآذربيجان على 21 في المئة وتركمانستان على 17 في المئة وإيران على 14 في المئة.

على أية حال وفي نهاية المطاف ترى الجمهورية الإسلامية أن موقفها من الحرب الروسية الجورجية يتناسب ومواقف موسكو تجاه الملف النووي الإيراني منذ صدور القرار 1696 في أغسطس/ آب من العام 2006 وحتى صدور القرار 1803 في مارس المنصرف.

ولكن من دون إعطاء أية إشارة تأييد إلى جورجيا في ذلك الصراع في ظل سعي تبليسي إلى تمكين الوجود الأميركي والصهيوني على أراضيها، وفي ظل ورود تقارير مختلفة حول تسهيلات ستقدمها جورجيا لتل أبيب وواشنطن في حال قررت الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.

ما يهم طهران اليوم أن هذه الحرب دفعت أكثر نحو تقريب مصالحها مع الآخرين. فالإيرانيون كانوا يسعون إلى إيجاد مزيد من التباين والخصومة بين الروس والأميركيين بهدف جعل الظروف مناسبة لإيجاد مفاضلات سياسية ذات مساحة أكبر.

ففي الوقت الذي كان الأميركيون يُصرّون فيه على أن الدرع الصاروخي فوق الأراضي البولندية وجمهورية التشيك هو بالأساس لحماية أوروبا من الصواريخ الإيرانية الباليستية؛ كان الإيرانيون يُبالغون في تكثير عمليات إطلاق تجاربهم الصواريخية بعيدة المدى للدفع نحو ترجيح تلك الحجّة الأميركية وإقامة مثل هذا الدرع.

وعندما وقعت الحرب في جورجيا كانت الفرصة مناسبة للأميركيين لأن يُسرّعوا في إقامة مثل ذلك الدرع الصاروخي كرد فعل موازي للعمليات الروسية ضد تبليسي وأيضا كتعويض لموقفهم السلبي من نظام ميخائيل ساكاشفيلي. وبعدما تحقّق ذلك الأمر فإن العلاقات الروسية مع الغرب ستكون متراجعة بلا أدنى شك خلال المرحلة المقبلة.

بالتأكيد فإن الروس وبعد تحذيرهم لبولندا بأنها «تعرّض نفسها لتكون هدفا لهجمة عسكرية متكاملة» فإنهم أيضا وفي ردة فعل حول تلك الخطوة التي أقدم عليها الغرب في خاصرتها سيسعون إلى تمتين الحلف المناوئ للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة إذا ما سارت الأمور نحو التدهور وذلك لإزعاج السياسات الأميركية في القوقاز وفي منطقة الشرق الأوسط.

فطهران حصلت على الدفعة الثامنة والأخيرة (82 طن) من اليورانيوم اللازم لتشغيل محطة بوشهر الكهرو/ ذرية (جنوب غرب) منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. ولم يبق على شركة أوتوموستروي أكسبورت إلاّ القيام بعمليات التشغيل في يناير المقبل.

لكنها أيضا تطمح إلى شراء أسلحة نوعية ومتقدمة جدا من موسكو كنظام أونيفيرسال – بوما الجوي أو شبكة الدفاعات الجوية S300 بعيدة المدى لكي يُعاد توطينها في مصانع الحرس الثوري وشركات وزارة الدفاع الإيرانية.

في الموضوع النووي فإن الإيرانيين لن يقبلوا بأقل من استحصالهم شرعية ومشروعية الطاقة النووية بكل ما فيها من جديد وعلى أرضهم وبأيدي خبرائهم. ماء ثقيل وتخصيب لليورانيوم وتوسّع في مجال المفاعلات النووية.

وقد أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قبل أسبوعين أنها اختارت ست شركات وطنية من أجل تحديد مواقع محتملة لبناء مفاعلات نووية في أقل من ثلاثة عشر شهرا، بينها أربع أجنبية اثنتان روسيتان وواحدة كندية وأخرى سويسرية.

اليوم بدأت خيارات الآخرين تضيق وتبرز خيارات الإيرانيين وسبل إنعاش مصالحها. ليس آخرها دخول مسألة النفط والغاز على الخط بعد تدهور الأوضاع في القوقاز، خصوصا مع ورود أنباء تتحدث عن تقليص شمال أوربا اعتمادها على النفط الروسي والتعويض عن ذلك بالنفط والغاز الإيراني.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2180 - الأحد 24 أغسطس 2008م الموافق 21 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً