العدد 2180 - الأحد 24 أغسطس 2008م الموافق 21 شعبان 1429هـ

النفط في «البيت الأبيض»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ألقى الرئيس الأميركي جورج بوش (الجمهوري)، بمسئولية الارتفاع في أسعار البنزين، على عاتق الكونغرس بقيادة الديمقراطيين، مجددا دعوته إلى التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في السواحل الأميركية، لزيادة مستوى احتياطي البلاد من الذهب الأسود.

وفي خطابه الإذاعي الأسبوعي جاهد بوش كي يبرر ذلك الادعاء، مشيرا إلى أنه «من أجل تخفيف الضغوط على الأسعار علينا زيادة إمدادات النفط، وخصوصا النفط المنتج هنا في بلادنا».

يذكر أن أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري عرقلوا اقتراحا، كما أورد موقع سي إن إن، كان رفعه الديمقراطيون، «يدعو إلى استخدام الاحتياطي الأميركي من النفط وضبط المضاربات في هذه الصناعة، بالإضافة إلى مطالبة شركات النفط الأميركية العملاقة بالتنقيب في الأراضي الاتحادية المفروزة أصلا لهذه الغاية».

وكانت الولايات المتحدة الأميركية عمدت إلى إنشاء ما يسمى بالمخزون الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الخام والمشتقات في أعقاب حظر النفط في مطلع سبعينيات القرن العشرين، بهدف استخدامه في حالات انقطاع الإمدادات النفطية أو تعرضها -أي الولايات المتحدة - لأي شكل من أشكال الابتزاز الذي يرغمها على اتخاذ قرارات تنافي مصالحها.

لذلك ينبغي أن يفسر هذا الموقف الجمهوري ردّا على دعوة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المبادرة «لضخ النفط الخام من المخزون الاستراتيجي الاحتياطي من أجل مقاومة الارتفاع في سعر الخام، وبالقدر ذاته هو رد مباشر على ما أدلى به المتحدث باسم البيت الأبيض، سكوت ستانزل، الذي اعتبر من سوء حظ الولايات المتحدة «أن المكان الوحيد الذي يمكن للديمقراطيين في الكونغرس أن يستكشفوا النفط فيه هو المخزون الاحتياطي الاستراتيجي، (مطالبا الديمقراطيين بتنحية) هذه المساعدة الديمقراطية ذات الأهداف السياسية جانبا».

وكما يبدو فإن هناك مساعي من قبل وزارة الطاقة الأميركية من أجل تعليق طرح 70 ألف برميل من النفط يوميّا من المخزون الاستراتيجي، بموجب قانون صادق عليه الكونغرس في مايو/ أيار الماضي ويدعو إلى تعليق بيع تلك الكمية من هذا المخزون حتى نهاية العام 2008، فيما يطالب الديمقراطيون بوش بزيادة تلك الكمية. على صعيد آخر، وعلى نحو مستقل عن صراع الديمقراطيين والجمهوريين، نشأت، على هامش الصراع النفطي بينهما، جماعة ضغط جديدة داخل الكونغرس الأميركي طالبت «بفرض قيود على أسواق السلع زاعمة أن المضاربات التي يقوم بها المتعاملون بأسواق المال هي السبب وراء الارتفاع الكبير في أسعار النفط».

ولا يمكننا أن نفصل النفط، بوصف كونه أحد أعمدة مفاصل الإستراتيجية الأميركية عن أوضاع الاقتصاد الأميركي عموما. وإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على هذا الاقتصاد في هذه المرحلة، فسنكتشف، أنه بغض النظر عن بعض مظاهر الانتعاش النسبي التي بدأت تطفو على سطح بعض أنشطته مثل سوق الرهن العقاري، لكن تبقى هناك عناصر أساسية لاتزال تعاني من أزمة بنيوية، يقف على رأس قائمتها مصادر الطاقة وفي مقدمتها النفط، وضرورة تأمين قنوات ضخه للسوق الأميركية المهددة بالشلل في حال انقطاعه أو حتى تراجع كميات إمدادته عن الاحتياجات الأساسية.

والمعادلة هنا غير معقدة، بل ربما هي في غاية السهولة، فمجرد ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق الأميركية، يتأثر العرض الكلي للمنتجات كافة نظرا إلى كون الطاقة تدخل في صلب الصناعة الأميركية، الأمر الذي من شأنه رفع كلفة الإنتاج، الذي ينعكس مباشرة على اسعار المواد الأساسية فترتفع أسعارها ما يؤدي إلى انكماش في الإنتاج الكلي والعمالة. وعندما تتفاعل هذه العوامل الداخلية مع أخرى خارجية، وخصوصا ذات البعد الإستراتيجي مثل النفط، يكون تاثيرها مفصليا في الاقتصادات المفتوحة مثل الاقتصاد الأميركي الذي لا يكف عن الدعوة إلى الانفتاح الاقتصادي وتتزايد عواته المنادية بالتفاعل الإيجابي مع اقتصاد العولمة ومتطلباتها الدولية. هذه الحال الأميركية شبه الفريدة هي التي تجعل من النفط العربي سلعة إستراتيجية، تتسلل إلى زوايا البيت الأبيض وتتحول إلى أحد العوامل الرئيسية في الوصول أو الإخفاق في الوصول إلى ذلك البيت. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو أنه طالما عرف العرب مدى الأهمية التي يحتلها النفط في الاقتصاد، ومن ثم السياسة الأميركية، فلماذا لا يحاولون أن يكون النفط إحدى قنوات، ولا نقول القناة الوحيدة، من أجل التفاهم والحوار البناء، ولا ندعو للصدام والابتزاز، بشأن الكثير من القضايا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2180 - الأحد 24 أغسطس 2008م الموافق 21 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً