إنّ بعض أجزاء عائلتي هم من الملحدين والمسيحيين والمسلمين، بينما تتسم خلفيتي العرقية بتعقيد أكثر إلى حد ما. ولكنني لستُ متحمسا بشكل خاص لحركة حوار الأديان: فهذه شجَّعَت على إيجاد علاقات جيدة بين أعداد قليلة من الناس ولكنهم تراجعوا دائما بطريقتين اثنتين:
الأولى هي أنّ السلطات الدينية لم تتخذ أبدا نفس الطريق الذي اتخذه مجتمع الأديان من حيث الحوار.
والثانية مرتبطة بالأولى. فأحيانا، ونظرا لغياب سلطات عليا في نقاشات الأديان، تصل المجموعات إلى خليط من المواقف حسنة النيّة ولكنها في النهاية مفرغة من معاني «الانتقائية متعددة الأديان».
الرسالة الأساسية هي: نحن جميعا متماثلون ولا توجد فوارق حقيقية بيننا.
هذا إرباك ديني لا يقنع أيّ مؤمن.
ولكن حركة حوار الأديان اتخذت منحى جديدا مؤخرا.
في أعقاب تصريحات البابا بنديكت المؤسفة بشأن الإسلام العام 2006 كتب عدد من المفكرين والعلماء المسلمين رسالة إلى الفاتيكان. كان في مقدّمتهم المجموعة الصغيرة نفسها التي أسست مبادرة رسالة عمان، وهي الأولى في التاريخ، التي جمعت السنة والشيعة معا بأسلوب لم يحصل من قبل.
وفي العام 2007 حصل أمر آخر للمرة الأولى: الكلمة الأولى.
وقّع مئات من أكبر علماء المسلمين رسالة موجهة لزعماء أهم الكنائس المسيحية.
تقول الرسالة إن المسيحيين والمسلمين متفقون على مبدأين أساسيين ثابتين، حب الله تعالى وحب الجار.
وتنادي الرسالة بالحوار على أساس الأمور المشتركة الحقيقية على أعلى المستويات. وقد حصلت الرسالة على تقبّل منقطع النظير.
سافرت، كواحد من الموقّعين على الرسالة نهاية الشهر الماضي إلى جامعة ييل لحضور أوّل مؤتمر مكرس للكلمة المشتركة. تساءلت وأنا على متن الطائرة عبر المحيط الأطلسي عمّا قد أجده هناك. هل ستكون هذه مبادرة سيذكرها التاريخ: أوّل حوار ديني عالي المستوى مستدام بين أتباع أكبر ديانتين في العالم؟
أم هل سيكون حالة أخرى من «حديث العمل»؟ كانت مقامرة كبرى.
إذا لم تستطع بعض أعلى السلطات الدينية والمفكّرين تحقيق أيّ تقدم فما هو أمل العامّة إذن؟
كانت هناك خصوصية محددة جدا لمؤتمر ييل: مكون إنجيلي قوي. يناقش الكثير من المفكرين المسيحيين أن بإمكان غير المسيحيين الحصول على الخلاص من دون أن يتقبلوا السيد المسيح. ولكن ذلك لا ينطبق على الحركة الإنجيلية، فأساس حركتهم محاولة تحويل «الكافرين» إلى المسيحية لإنقاذ أرواحهم.
يختلف هذا إلى حد ما عن التقاليد الإسلامية، حيث توجد رغبة في إيصال الرسالة، إلاّ أنّ ذلك أقل من كونه سرّا مقدسا، وأكثر قليلا من كونه نتيجة جانبية لعيش حياة مقدسة. بالإضافة إلى ذلك يعترف الإسلام باحتمالية خلاص هؤلاء الذين لا يؤمنون بالنبي محمّد (ص).
كان هناك تساؤل مبَطّن بشأن هذه النقطة أثناء المؤتمر: في وسط العلاقات الدينية الجيّدة، ما هي الاحتمالات المتوافرة للإنجيليين؛ لأن يرسلوا بعثات إلى العالم الإسلامي؟
دافع زعيم إنجيلي واحد على الأقل عن مشاركته على أساس أن باستطاعة المرء أنْ يكون شاهدا من خلال الحوار.
كان هناك الكثيرون على الأرجح الذين شاركوه وجهة النظر هذه. (رغم شكّي بأن الجميع لم يفعلوا ذلك: فالأقليات المسيحية داخل العالم الإسلامي هي عادة الأشد معارضة للنشاطات التبشيرية. وليس هذا بالأمر المثير للاستغراب، فهؤلاء اعتنقوا المسيحية منذ أكثر من ألفي عام، وهم لا يتقبلون ببساطة أن يقال لهم أنهم على خطأ من قبل الحركات الإنجيلية الحديثة).
لم يتم حل أي من هذه القضايا في ييل. ولم يكن هذا هو المقصد. كان الحضور رجال دين، ولم يكن من ضمن اهتماماتهم التخفيف من عقيدتهم. من هذا المنطلق نشأ نوع من الصدق والإخلاص، ربما كان أعظم فائدة للمبادرة. وقد جرى دمج ذلك مع احترام صحّي متبادل لبعضهم بعضا كأناس يؤمنون بإله محبّ وبمحبة الجار.
لم يحدث ذلك أبدا من قبل في تاريخ البشرية.
لهذا السبب وحدَه تعتبر «الكلمة الواحدة» مهمة، ويعود الأمر إلى كلّ مسلم ومسيحي مؤمن؛ لأن تبقى هكذا. ولكن هناك أمر واحد مؤكد: حان الوقت لذلك منذ زمن بعيد. تستطيع دولة الإمارات العربية المتحدة أن تفخر أنّ الأمر يعود، إلى درجة ليست باليسيرة، إلى عالِم مسلم هو الحبيب علي الجفري، الذي وجد له وطنا ضمن حدودها.
عملت الوفود المسلمة والمسيحية، ممثّلة بالأمير غازي من الأردن وميروسلاف ولف من كلية العلوم الدينية بجامعة ييل على ضمان عدم انتهاء هذه المبادرة دون تحقيق إنجازات راسخة. فصدر بيان يؤكد على الوحدوية المطلقة لله تعالى، معلنا: «يجب ألا يتحمّل مسلم أو مسيحي تشويه أو انتهاك قدسية الرموز المقدسة للطرف الآخر، أو شخصياته المؤسِّسة أو أماكن عبادته».
وقد طُرِح الأمر للتصويت وتم قبوله بالإجماع.
ليس هذا بالإنجاز اليسير. يكفي لو أنّ هذا شكل الإنجاز الوحيد لمؤسسة «الكلمة المشتركة»، ولكن المؤتمر فتح كذلك احتمالات كثيرة أخرى للمستقبل.
وسوف يكشف الزمن ذلك.
*مدير مجموعة Visionary الاستشارية، وزميل في جامعة ورويك، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2180 - الأحد 24 أغسطس 2008م الموافق 21 شعبان 1429هـ