الله على أيام زمان في شهر رمضان... فعندما كنت في الخامسة كنت استقبل شهر رمضان بالدهشة وبعواطف مضخمة جامحة، بحيث أننا كنا نعتقد لضخامة التجهيزات والاستعدادات لاستقبال رمضان سواء من مأكل ومشرب وحتى من تغيير لديكورات البيت ومن تنظيف بأن رمضان رجل سيحل ضيفا، وأن علينا إكرامه، ثم أدركنا بعد ذلك أنه شهر فضيل يصوم فيه المسلمون ويختتم بعيد الفطر.
رمضان في كل بيت له طعم ورائحة مختلفة... ولكن في استقباله يتفق الجميع وخصوصا إذا كان المنزل به أطفال يستعدون للصوم لأول مرة، إذ دائما ما تتبادر إلى ذهنك بعض المواقف التي مررت فيها منذ أول عام لك في الصوم وحتى يومنا هذا فتسردها لهم... بالنسبة لي في الصوم الأول لي كنت أشرب الماء وآكل بعض قطع الحلوى. لا أعتقد أن أحدا لم يجرب السرقة، فالسرقة لابد منها. ولا أقصد هنا سرقة المال أو ما شابه، وإنما «السرقة الحلال» التي يقوم بها الأطفال وليس الكبار بشرب كأس ماء أو بمضغ قطعة حلوى في فمهم دون علم أهاليهم بذلك.
بدأت الصوم في سن مبكرة، لذلك عندما كنت أعود من المدرسة الابتدائية دائما ما أشرب الماء من صنبور حمام السباحة، كما أتحين الفرصة عندما تأمرني والدتي بإحضار «صلصة الطماطم الجاهزة» لصالونة اللحم ذات الرائحة المميزة لشهر الخير فأذهب بحماس لإحضارها، وكل ذلك من أجل دعس أصابعي في الكراميل أو الجلي الذي تعده أختي الكبرى... بعد ذلك «ما كأن شي صار»، إذ أكمل صيامي. أمّا قبل سماعنا للأذان فقد كنا نتسابق أنا وأخواني وأخواتي لتجهيز أكواب بلاستيكية تشتريها والدتي خصيصا لشهر رمضان، إذ أتذكر الكأس الأخضر الذي أخصصه لشرب العصير (فيمتو عادة)، والكأس البني الذي أخصصه لشرب الماء... يمكنك أن تتخيل أطفالا يقفون في بهو المنزل يرفعون أيديهم بكأسين واحد للماء وآخر للعصير، وهم يجهزون مسامعهم لسماع صوت الأذان... ومع سماع كلمة «اللهُ أكبر» يفطر الجميع وترتسم عليهم علامات الفرح والسرور.
من المواقف الأخرى التي مازلت أتذكرها جيدا في الثانوية عندما كنت أعود للمنزل برفقة صديقتي وجارتي العزيزة، كنا ولبعد المدرسة عن بيوتنا نمر على غالبية بيوت المنطقة، لذلك كنا نتسابق لمعرفة ماذا يطبخ كل بيت من طعام، وكل ذلك عن طريق شم الروائح الجذابة التي كانت معدتنا تعتصر للذتها... برائحة «صالونة اللحم»، والهريس، والكباب، والقيمات، والجلي، البسبوسة، والزلابية، والسمبوسة، وغيرها من أطعمة يتميز بها هذا الشهر الفضيل، أقول للجميع مبارك عليكم الشهر.
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 2179 - السبت 23 أغسطس 2008م الموافق 20 شعبان 1429هـ