العدد 2179 - السبت 23 أغسطس 2008م الموافق 20 شعبان 1429هـ

دولة لبنان على فوهة بركان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دفعت التهديدات الإسرائيلية بتدمير لبنان وتحطيم دولته وتقويض بنيته التحتية رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة إلى تقديم احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وطالبت رسالة الحكومة اللبنانية دول مجلس الأمن بضرورة الانتباه إلى خطورة التهديدات وإعطاء تصريحات رئيس حكومة تل أبيب ايهود أولمرت ووزيرة خارجيته ستيفي ليفني أهمية خاصة؛ كونها تشير إلى استعدادات عسكرية تستهدف الدولة أرضا وشعبا ومؤسسات من دون تمييز بذريعة أنّ الحكومة متحالفة مع حزب الله واعتمدت المقاومة وسيلة للتحرير.

المخاوف الرسمية اللبنانية ليست مفتعلة، وهناك الكثير من العناصر التي تبررها. فالتهديدات ليست جديدة ولكنها تجددت بعد انفجار أزمة جورجيا وظهور متغيّرات على التحالفات الإقليمية في دائرة «الشرق الأوسط» شدّت انتباه واشنطن إلى ملفات ساخنة في منطقة القوقاز وفرضت أولويات جديدة على برنامج عمل الخارجية الأميركية. وتصادفت تلك المتغيّرات مع حملة إسرائيلية أخذت تشكك بدور القوّات الدولية المنتشرة على الحدود اللبنانية (يونيفيل) وعدم فعالية القرار 1701. والتشكيك بالقرار الدولي وقوّات «يونيفيل» طرح علامات استفهام بشأن طلب لبنان التجديد لمهمّات «القبعات الزرق» مدّة سنة إضافية. فالتهجم الإسرائيلي له وظيفة موضعية؛ لكونه يأتي قبل أيام من نهاية فترة القوّات الدولية التي يتصادف موعدها في 31 أغسطس/ آب الجاري.

التهديدات الإسرائيلية لم تقتصر على التشكيك بدور «يونيفيل» ومدى فعالية القرار 1701 بل توسّعت لتشمل «بيان الحكومة» الذي تضمن فقرة احتوت على مفردة «مقاومة». فالتهديدات تذرعت بتلك «المفردة» للإشارة إلى أنّ لبنان أصبح كلّه «مقاومة» ولم تعد الدولة خارج دائرة الاستهداف في حال تجددت الحرب التي تجمّدت مؤقتا تحت سقف قرار دولي. وبناء على هذه القراءة بدأت تل أبيب حملة إعلامية مركّزة تقوم على قاعدتين نظريتين: الأولى أنّ حزب الله نجح في تطوير قدراته الصاروخية والدفاعية ونجح في نصب شبكة جوية مضادة تهدد سلامة الطلعات الاستكشافية التي تقوم بها الطائرات الحربية الإسرائيلية يوميا فوق الجنوب ومعظم الأراضي اللبنانية. والثانية أنّ دولة لبنان تحوّلت بعد «البيان الوزاري» إلى مقاومة وهذا يعطي ذريعة لتل أبيب بتوجيه ضرباتها التقويضية ضد كلّ الهيئات والمؤسسات والشركات والقطاعات من دون تمييز في اعتبار أنّ الحكومة متحالفة أو مندمجة في خط واحد مع المقاومة.

التهديدات إذا خطيرة وليست للتسلية. وهذا ما دفع السنيورة إلى توجيه رسالة رسمية تحذر من المخاطر المحتملة ضد لبنان. كذلك اندفع وزير الخارجية فوزي صلوخ (المحسوب على قوى 8 آذار) إلى نفي التهمة الإسرائيلية والتأكيد على أنّ الفقرة التي وردت في «البيان» لا تعطي الحق للمقاومة بالانفراد وأخذ قرار مستقل من دون عودة للدولة. وتوضيح صلوخ اللافت يؤكّد فعلا وجود مخاوف لدى جمهور المقاومة من إقدام «إسرائيل» على تسديد ضربة انتقامية للثأر من نتائج عدوان صيف 2006. فالوزير الذي تبنى مداورة وجهة نظر قوى 14 آذار أبدى دهشته من تلك المبالغة الإسرائيلية في تفسير أو تأويل فقرة خارج نصها؛ لتشكّل ذريعة لعدوان مقبل تخطط له تل أبيب.

مخاوف جمهور المقاومة في محلها، وهي تتجانس إلى حد معيّن مع قلق الدولة المتخوّفة من احتمال وجود سيناريو مُبرمج يستهدف تقويض لبنان وتحطيمه وتدميره بنسبة أعلى من ذاك السيناريو الذي نفذته خلال عدوان 2006. فالجمهور يرى أنّ قوّته مستهدفة في وقت تبدو التحالفات الإقليمية على قاب قوسين من التبدّل بسبب دخول متغيّرات دولية على خط أزمات «الشرق الأوسط». إيران مثلا تناور دبلوماسيا لحماية برنامجها النووي مستفيدة الآنَ من أزمة جورجيا وانعكاسها على منطقة القوقاز. وتركيا أيضا مرتبكة من توسّع نفوذ روسيا في حال لم تتوصّل الأطراف الدولية في مجلس الأمن إلى صيغة توافقية تلبي مصالح موسكو في مجالها الحيوي. وسورية التي دخلت منذ فترة ليست بعيدة في مفاوضات غير مباشرة مع «إسرائيل» تراهن على الوقت واحتمال غياب إدارة واشنطن عن مسرح «الشرق الأوسط» لفترة وجيزة ولكنها كافية للتخلّص من الضغوط التي تفرض عليها تنازلات تحت عنوان «تغيير سلوك الأنظمة».

جمهور المقاومة خائفٌ من احتمال حصول صفقات إقليمية برعاية أميركية حتى تتفرغ واشنطن لاحتواء أزمة جورجيا ومنطقة القوقاز. فالصفقات الإقليمية تعني التضحية بالأوراق السياسية مقابل تمرير طلبات للدول ترفع عنها العقوبات وتفتح أمامها الأسواق وتوقف المزيد من القرارات التي كانت تنوي إصدارها عن مجلس الأمن.

أزمة جورجيا والأولويات

أزمة جورجيا رفعت من درجة المخاوف اللبنانية؛ لأنّها وضعت الدولة والمقاومة على سوية واحدة في وقت تبدو تل أبيب تبحث عن «جائزة ترضية» من واشنطن بعد أنْ رفضت إدارة جورج بوش السماح لها بتوجيه ضربة جوية للمشروع النووي الإيراني. والجائزة التي تطلبها حكومة أولمرت هي التوقيع على صك مصرفي مفتوح في الأرقام والحسابات. والصك على بياض يعني عسكريا إعطاء «إسرائيل» كلّ الصلاحيات وعدم فرض قيود «مدنية» أو «إنسانية» عليها في حال قررت الثأر والانتقام من لبنان.

حكومة أولمرت تعتبر أنّ هناك فرصة دولية - إقليمية للهجوم. روسيا غارقة في مرتفعات القوقاز. أميركا تقود حملة دولية مضادة لاستيعاب تداعيات أزمة جورجيا. تركيا منشغلة بإعادة ترتيب أولوياتها في دائرة استراتيجية تشكّل قلقا على أمنها القومي. إيران تتحرك دبلوماسيا لإعادة ملفها النووي من مجلس الأمن إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. العراق يستعد لتوقيع مذكّرة تفاهم أمنية مع واشنطن تضمن استقراره لمدّة سنوات. سورية تبحث عن مخارج تضبط موقعها ودورها تحت سقف تجديد الهدنة في الجولان. ودول الخليج تبذل جهودها لإقناع طهران بعدم المبالغة في تقدير قوّتها حتى لا تنزلق المنطقة إلى كارثة ستدفع ثمنها كلّ القوى.

في فضاءات هذه الأجواء السلبية التي تخيّم على المنطقة أخذت تل أبيب تركّز على الخطر اللبناني ونمو قدرات حزب الله الصاروخية ودور الدولة في تأمين الغطاء الشرعي لترسانته ومستودعاته ومنصاته وقواعده وغيرها من عناصر دفاعية تعتبرها حكومة أولمرت كافية للعدوان.

«الدولة اللبنانية» على فوهة بركان وهي هدف «إسرائيل» المقبل. هذا هو العنوان السياسي الذي تعمل تل أبيب على ترويجه إعلاميا في الأسواق الدولية والإقليمية. وبسبب هذا التصعيد اللافت الذي ارتفع إلى حد المبالغة في إمكانات لبنان وقدراته العسكرية «الجبّارة» اندفعت الحكومة إلى تقديم «رسالة احتجاج» تنبّه الأمم المتحدة إلى المخاطر والمضاعفات والتداعيات التي قد تنجم عن أيّ عدوان إسرائيلي جديد. فالدولة التي كانت مستهدفة في العام 2006 أصبحت في وضع صعب وغير قادرة على تحمّل المزيد من ضربات التقويض. فهي حتى الآنَ لاتزال تعاني من سلبيات الزلزال الذي تعرّضت له على امتداد نحو 34 يوما، وهي لاتزال تعمل على إعادة إعمار البلدات والقرى في الجنوب وترميم الجسور والمؤسسات والمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات التابعة للقطاع الخاص. وقلق الدولة اللبنانية يتأتى الآنَ من تركيز تل أبيب على تلك الذريعة (مفردة المقاومة) وتضخيمها؛ لتبرير نهْج «الدمار الشامل» للبنى التحتية بعد أنْ كانت وجهت ضربات موجعة أحدثت ما يشبه بالدمار الجزئي للمؤسسات الرسمية والشركات الخاصة في صيف 2006.

التذاكي الإسرائيلي بالعثور على مفردة «مقاومة» في «البيان الوزاري» يشكّل ذريعة هي أقرب للاحتيال بهدف التغطية على حرب التقويض المبرمجة التي اتبعتها في ذاك الصيف الساخن. والاحتيال الإسرائيلي يقوم الآنَ على خدعة تقول إنّ الضربات التي أقدمت على توجيهها كانت «ذكية» و«محددة» و«مركّزة» وتجنبت استهداف الدولة والمؤسسات المدنية. وهذه الخدعة هي كذبة كبرى؛ لأن العدوان في العام 2006 توجّه نحو تقويض الدولة باعتبار أنّ أكثر من 90 في المئة من الأهداف كانت مدنية وهي في مجموعها تابعة للسيادة اللبنانية وتقع مسئولياتها بحسب القانون الدولي تحت عنوان الجمهورية اللبنانية. فالقرى والبلدات في الجنوب لبنانية. والجسور لبنانية. وقانا لبنانية. وكلّ المؤسسات والمحطات والفعاليات (المطار، المرفأ) والشركات لبنانية وتابعة للقطاع العام أو الخاص. فالعدوان في محصلته العامّة استهدف الدولة حين تعمّد «تقطيع أوصالها» وتحطيم بناها وتقويض مرتكزاتها الاقتصادية والأهلية بهدف إضعافها وعزلها وتطويقها.

التذاكي الإسرائيلي بشأن مفردة «المقاومة» مجرد محاولة للاحتيال للتغطية على مشروعها التقويضي الذي نفذته جزئيا في 2006 وتستعد الآنَ تحت غطاء «البيان الوزاري» إلى استكماله مستفيدة من المتغيّرات التي أحدثتها أزمة جورجيا على أولويات «الشرق الأوسط».

مسارعة الحكومة اللبنانية إلى توجيه «رسالة احتجاج» للأمم المتحدة تعتبر خطوة دبلوماسية استباقية تحاول تنبيه مَنْ يهمّه الأمر إلى وجود خطة إسرائيلية تستهدف زعزعة كيان بلاد الأرز واحتمال تفكيكه وفق «النموذج العراقي».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2179 - السبت 23 أغسطس 2008م الموافق 20 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً