العدد 2178 - الجمعة 22 أغسطس 2008م الموافق 19 شعبان 1429هـ

«الشرق الأوسط» وأزمة صواريخ مؤجلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كادت «دردشة» عقدها الرئيس السوري بشّار الأسد مع صحيفة روسية أنْ تؤدي إلى «أزمة صواريخ» في «الشرق الأوسط» تشبه تلك التي وقعت في كوبا في مطلع ستينات القرن الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. والفارق بين الأزمتين أنّ الأولى وهمية والثانية حقيقية. فأزمة نصب صواريخ سوفياتية في كوبا في عهد الرئيس جون كيندي كادت فعلا أنْ تؤدي إلى مواجهة دولية على مقربة من شواطئ فلوريدا الأميركية حين فرضت واشنطن الحصار البحري على الجزيرة ووجّهت انذارا إلى موسكو بشأن الصواريخ واشترطت تفكيك القواعد قبل البحث بأيّ تسوية للمشكلة. وأدّى تجاوب الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف مع الرغبة الأميركية في انقاذ العالم من كارثة مجابهة ساخنة بين دولتين كبريين. وانتهت الأزمة بتوافقات قضت بعدم تعريض نظام فيدل كاسترو المتحالف مع موسكو للانقلاب والانهيار مقابل إعادة شبكة الصواريخ إلى الاتحاد السوفياتي وإعطاء أميركا قاعدتين عسكريتين في شمال كوبا وجنوبها لضمان أمن الولايات المتحدة واستقرارها.

أزمة الصواريخ الكوبية في مطلع الستينات كانت حقيقية، وهي تختلف عن «دردشة» كادت أنْ تؤدّي إلى أزمة دولية في أعتبار أنْ نقل شبكة صواريخ روسية إلى سورية تعتبر خطوة متقدّّمة ميدانيا في تعديل ميزان القوى في دائرة «الشرق الأوسط». فالفكرة التي وردت في «دردشة» كانت مجموعة تصوّرات عن احتمالات وتوقعات أكثر مما هي بيانات رسمية موقعة بين الطرفين. والفارق بين الدردشة والاتفاق يعطي صورة عن حساسية شبكة العلاقات الدولية وخطورة الاختراق السياسي بين أكبر قوتين عسكريتين في لحظة تشهد فيها قنوات الاتصال بين موسكو وواشنطن توترات ناجمة عن انسداد أزمة جورجيا واحتمال تمددها إلى منطقة القوقاز ودول الجوار. فالدردشة التي جرت على ضفاف البحر الأسود جاءت في فترة قلقة تحيط بها مخاوف دولية من احتمال تطوّر أزمة جورجيا وانتقالها من القوقاز إلى أوروبا (الحلف الأطلسي) والشرق الأوسط (الصراع العربي - الإسرائيلي). وهذا يعني في حال تم ترجمة الدردشة إلى مشروع اتفاق عسكري استراتيجي بين دمشق وموسكو تكون أزمة جورجيا توسع نطاقها وتداخلت ملفاتها وترابطت من خلال دمج الحلقات الثلاث في إطار دولي يشعل فتيل «الحرب الباردة».

هذا الأمر لم يحصل حين سارع الرئيس الروسي إلى الاتصال هاتفيا برئيس حكومة تل أبيب ايهود أولمرت وأوضح له الجوانب الأخرى من زيارة الرئيس السوري إلى روسيا. وتبيّن من الكلام الإعلامي أن نقل شبكة صواريخ «اسكندر» مجرد فكرة (نفتها وكالة سانا السورية لاحقا) تحتاج إلى مناقشة وسلسلة تفاهمات تسبق توقيع الاتفاق. وهذا يعني دبلوماسيا أن الموضوع مجرد اقتراح ولايزال في إطار التصور النظري ويمكن أنْ يلقى الترحيب الروسي في حال وجدت موسكو نفسها محاصرة بالقواعد ومطوّقة بالصواريخ.

أزمة نظرية

الأزمة إذا نظرية حتى الآنَ، وهي تتطلب فترة زمنية؛ لتوضيح جوانبها السياسية. ربما تكون روسيا أرادت توجيه رسالة انذار لحكومة «إسرائيل» ودورها العسكري - المخابراتي في تدريب وتجهيز الجيش الجورجي بالمعدات وتأهيله وربما تشجيعه لخوض غمار تجربة تبين أنّها فاشلة في ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وربما تكون روسيا حاولت تذكير الولايات المتحدة بأنها تمتلك تلك الأوراق التي تحتاج إليها للضغط على واشنطن والرد على تحركاتها في محيطها الجغرافي ومجالها الحيوي، وهي قادرة على نصب شبكة صواريخ متطوّرة في سورية القريبة جغرافيا من حليفها الاستراتيجي الأوّل في «الشرق الأوسط»، كذلك هي قادرة على توسيع نطاقها الجغرافي من البحر الأسود إلى البحر الأبيض، وهي أيضا تستطيع بناء قواعد عسكرية متقدّمة في فنزويلا وكوبا على مقربة من شواطئ فلوريدا.

عملية التذكير هذه فتحت الكثير من الملفات والأوراق وكشفت عن وجود اتصالات ثنائية أوروبية - روسية تحاول ضبط التوتر الذي انفتح في القوقاز وأعاد تجديد رياح «الحرب الباردة» بسخونة حين ردّت واشنطن بهجوم سياسي مُضاد باتجاه أوروبا الشرقية ووقعت ذاك الاتفاق مع بولندا الذي يعطي أفضلية للولايات المتحدة في اختراق أمن روسيا في منطقة تقع تقليديا في مجال حدائقها الخلفية.

فالغضب الروسي أشار إلى وجود مجموعة أوراق تستطيع موسكو استخدامها للرد إذا اقتضت الضرورة. فهي لمحت إلى بيلاروسيا في أوروبا، وسورية في المشرق العربي، وأفغانستان في وسط آسيا. وهذه الأوراق في اللغة الدبلوماسية تعني دعوة للحوار؛ لتجديد التفاهم بين الكرملين والبيت الأبيض، وهي تعني سياسيا عدم وجود رغبة روسية في استخدام نفوذها وتطوير مجالها العسكري إلى خارج دائرة محيطها الجغرافي التقليدي.

روسيا أرسلت إشارات إلى واشنطن والاتحاد الأوروبي للتأكيد على أنها لاتزال قادرة على خلط الأوراق وتدوير الزوايا وإضعاف منظومة الدفاع في أوروبا و»الشرق الأوسط» وآسيا الوسطى من خلال التقدّم خطوات باتجاه تسجيل اختراقات سياسية في مناطق حسّاسة ضمن إطار الشراكة أو لعبة التوازن الدولي. السؤال: هل وصلت الرسائل الروسية إلى أميركا أو أن واشنطن لا تزال مصرّة على مواصلة سياسة التحدّي والاستفزاز؟ موسكو مثلا ترددت في تلبية دعوة الرئيس الفنزويلي ببناء قاعدة عسكرية في شمال أميركا اللاتينية. وهي أيضا أبدت عدم رغبتها في تجديد أو إعادة فتح قاعدتها العسكرية في ميناء طرطوس السوري. وهي أكّدت أنها تقوم بعملية دفاعية؛ لتحصين مواقعها في البحر الأسود ولا تريد الخروج من تلك الدائرة والتوسع جيوبوليتكيا كما كان أمرها في عهد الاتحاد السوفياتي.

روسيا كما أظهرت إشاراتها أنها لا تريد العودة الساخنة إلى «الحرب الباردة» ولا تطمح بتوسيع نفوذها إلى خارج مجالها الحيوي (الحوض الجغرافي والحدائق الخلفية) إلاّ في حال واحدة وهي مواصلة أميركا عدم احترام توازن المصالح. وهذا بالضبط ما أرادت قوله من خلال حفلات استقبال الرئيس السوري في منتجع سياحي على البحر الأسود.

أزمة الصواريخ مؤجلة، والكلام المنسوب للرئيس الأسد مجرد «دردشة صحافية» تشير إلى احتمالات، ولكنها لم ترتفع إلى درجة التوافق الرسمي. فالدردشة أمنيات نظرية يمكن أن تتحول إلى اتفاقات أو معاهدات موقعة بين الطرفين في حال لم تتجاوب واشنطن مع حاجات موسكو الدفاعية ومخاوفها وربما قلقها من تطور الهجوم السياسي الأميركي المضاد. فالهجوم الدبلوماسي المعاكس إذا تواصل يمكن أن يؤدي إلى اقتحام القلاع الجورجية التي تشكل ممرات جغرافية ومعابر نفوذ قد تستخدمها دول الحلف الأطلسي لاختراق هلال القوقاز الخصيب في «أقلياته» القبائلية والأقوامية والدينية والمذهبية. وهذا ما أرادت موسكو الرد عليه بإعادة تذكير واشنطن بوجود أوراق يمكن استخدامها وقت الحاجة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2178 - الجمعة 22 أغسطس 2008م الموافق 19 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً