تناول حوار جرى أخيرا مع عالم الدين السعودي الشيخ حسن الصفار الذي يزور البحرين بين فترة وأخرى موضوع الحوار، والحاجة إلى «الانفتاح على الآخر». والمقصود بـ«الآخر» هو أية جهة تحمل رأيا مغايرا، سواء كان من داخل طائفةٍ أو دينٍ، أو من خارجهما، وسواء كان من البلد نفسه أو من بلد آخر. وإحدى الملاحظات التي أبداها الصفار هي أن هناك فرصا كثيرة في البحرين (ونحن محسودون عليها) للالتقاء بين مختلف الأطراف، وهناك مؤتمرات عدة، ولقاءات تنظم باستمرار، ولكن هذه اللقاءات - والحديث لايزال للصفار الذي يحضر عددا منها - تخلو من حضور علماء الدين الذين تتكرّر أسماؤهم على الساحة البحرينية الشعبية (الشيعية تحديدا)، ما دعاه إلى التساؤل عن سبب ذلك.
وفعلا - والحديث لي هنا - فحتى المؤتمرات التي تدعو إلى التقريب وتحضرها شخصيات قريبة من أفكار علماء الدين الذين يحظون بشعبية في الشارع البحريني تجد أنها تعقد وتنتهي وكأنها لا تعنيهم. بل إن المؤتمر الذي عُقد قبل فترة غير بعيدة عن الشيخ ميثم البحراني (الفقيه والفيلسوف الذي رفع اسم البحرين قبل سبعة قرون بعلمه وعطائه)، ونظم بدعم من الجهات الرسمية في البحرين وإيران لم يشهد وجود أي من علماء الدين المعنيين، بل إن بعضهم حضر لفترة وجيزة جدا في افتتاح الجلسة الأولى، ومن ثم غادر القاعة بصورة جماعية ملحوظة.
ربما هناك عدة أجوبة لمثل هذه الظاهرة، فمن جانب يشعر علماء الدين الذين يملكون تأثيرا على الساحة الشعبية أنهم مكتفون ذاتيا، وليست لديهم حاجة للالتقاء بأية جهة أخرى، سواء كانت هذه الجهة محلية أم خارجية، وسواء كانت توافقهم أم تخالفهم. ربما أيضا إن أولويات علماء الدين المعنيين مختلفة تماما عن باقي الجهات، وهي لا ترى أهمية لكل هذه المؤتمرات واللقاءات. وربما تكون الموضوعات المطروحة للنقاش سواء كانت حوارا للتقريب، أو كانت عن تطوير التشريع الإسلامي في المصارف، أو عن تاريخ عظماء الإسلام، أو للبحث عن مناطق مشتركة للتعايش مع الآخرين... لا تعتبر مهمة لهم بحسب الأجندة البحرينية المنشغلة بخطاب شعبي؛ لأن الخطاب الأخير يركز على قضايا لا تتصل بصورة مباشرة بما تطرحه الفرص اللقائية المتوافرة حاليا.
وربما تكون هناك أسباب أخرى لا أعلمها شخصيا... ولكن مهما كانت هذه الأسباب فهي توضح أن علماء الدين المعنيين يعيشون في «عالم خاص»، بعيد كل البعد عن الإقبال المتزايد في العالم الإسلامي على إشراك الآخرين في الحوار نحو مزيد من التفاهم والتنسيق والتسامح. فقد وصل هذا الحماس إلى عقد مؤتمر للحوار بمكة المكرمة في يونيو/ حزيران الماضي، ومؤتمر عالمي آخر للحوار بين الأديان بمدريد في يوليو/ تموز الماضي، واعتبر المؤتمران نقطة انطلاق للتفاهم والحوار بين مختلف الاتجاهات. وبطبيعة الحال لا نتوقع من علماء الدين البحرينيين المكتفين ذاتيا أن يكون لهم أي اهتمام بمثل هذين المؤتمرين إذا كانوا لا يهتمون أساسا بلقاءات مباشرة تعقد بالقرب منهم في المنامة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2178 - الجمعة 22 أغسطس 2008م الموافق 19 شعبان 1429هـ