العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ

تركيا... دولة الجهات الأربع

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

آخر ما تحتاجه تركيا الآن هو ان توجه واشنطن أو «إسرائيل» ضربة عسكرية لإيران قد تقوض نظام دولة جارة كبيرة، وتهدد استقرار منطقة واسعة تمتد من آسيا الوسطى شمالا وحتى الهند شرقا، ومصر غربا.

وعلى مسافة ليست بعيدة عن الحدود التركية الايرانية، أنقرة مازالت تنظر بقلق للصراع الروسي الأميركي بشأن جورجيا، هذه الأزمة التي قد تحمل بشائر إعادة إحياء دور أنقرة القديم خلال الحرب الباردة، إلا أنها تحمل أيضا ملامح صراع جديد يحمل معه رياح التوتر السياسي والعسكري القديم مع روسيا والدول المؤيدة لموسكو في القوقاز.

تحولان سريعان على الحدود لم تكن تركيا تنتظرهما بعد تجربتها المرة مع احتلال أميركا للعراق.

هذان الحدثان (المقلقان) كان محور التحرك التركي خلال الإسبوع الماضي، فإسطنبول التي استقبلت الرئيس الإيراني منتصف الشهر الحالي كانت تعرف إن تحركها لن يعجب واشنطن أو تل ابيب اللتان تعاديان ايران وتحديدا رئيسها أحمدي نجاد، وترفضان أيضا محاولات أنقرة لبناء خط جديد لنقل الغاز الإيراني الى تركيا والى اوروبا في مرحلة لاحقة، لكن يبدو أن السياسيين الأتراك غير مستعدين للاستغناء عن دورهم في هذا الملف.

تحركات ترى فيها أميركا و»إسرائيل» بداية حلحلة الحصار الذي تحاول واشنطن توسعته على ايران في اطار الضغط باتجاه ملفها النووي.

هذا على الجبهة الإيرانية، أما على جبهة روسيا - جورجيا فإن مبادرة رئيس الوزراء التركي التي أطلقها في تيبليسي وموسكو بشأن تشكيل حلف قوقازي يضم معظم أصدقاء تركيا في الجمهوريات السوفيتية السابقة، قد يمثل عامل اطمئنان لمستقبل تركيا.

بسبب موقعها الحيوي تحاول تركيا منذ سنين ان تحافظ على أفضل العلاقات مع الجميع، فهي في الوقت الذي ترعى فيه مباحثات سورية - إسرائيلية للسلام، نراها مستعدة للعب دور الوسيط بين الأمم المتحدة من جهة وايران من جهة اخرى لانهاء الملف النووي، وهي أيضا تعمل على تبديد مخاوف موسكو من بعض دول البلقان التي قد تنجرف باتجاه واشنطن على حساب روسيا.

كل هذه التحركات، مضافا لها تحركها تجاه العراق واعلان أنقرة استعدادها لملء الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الاميركي المرتقب، ودورها الفاعل في الحفاظ على وحدة العراق ومنع تقسيمه، يجعل من تركيا بلدا ناجحا حتى الآن في إعادة تنظيم «الفوضى الخلاقة» من خلال محاولاتها المستمرة للحفاظ على استقرار الدول المحيطة بها من جهاتها الأربع، لتكون بذلك عامل استقرار فعلي لكل الدول القريبة ومصالح الدول البعيدة، وترمم ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير الذي أطلقته واشنطن والتي قد تتخلى عنه في اية لحظة، إذا لم تكن قد تخلت عنه حتى الآن.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً