العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ

تخيّل ماذا يحصل لو تسلّم الأطفال زمام الأمور؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تساءلتُ قبل شهرين، وبينما كان الإسرائيليون يحتفلون بالذكرى الستين لإنشاء دولتهم، وبينما سجل الفلسطينيون ستة عقود من النزوح، عما إذا كان السلام سيعم في يوم من الأيام بين الشعبين.

بدلا من التركيز على الحاضر المحبِط أو الدخول إلى حقل ألغام الماضي، قررتُ أن أنظر قدما في الزمن باتجاه مستقبل روائي خيالي يسود فيه السلام.

قال هيثم كيالي من منظمة «صوت واحد» - وهي حركة على مستوى الجذور اكتسبت دعما مكتوبا من 600 ألف فلسطيني وإسرائيلي لحل الدولتين - معلقا على مقالي: «لن يفهم الناس إلا من خلال استخدام مخيلاتهم سبب الموافقة على الحلول الوسطى».

كان من دواعي سعادتي أن أعرف من كيالي أن طلاب المدارس الفلسطينيين والإسرائيليين منخرطون في تجربة مماثلة: استخدام مخيلاتهم في منافسة سهلة ليحلموا بما يمكن أن تكون عليه الحياة بعد عشر سنوات من الآن في عالم العام 2008 الذي يسوده السلام.

أسر اهتمامي الحصول على بعض النظرات المعمقة في تفكير أفراد الجيل القادم الذين نادرا ما تسمع أصواتهم، رغم حقيقة أنهم معرّضون لخسارة كبيرة أكثر من غيرهم من هذا النزاع المستمر.

إضافة لذلك لدي هذا الشعور (ربما يكون مضلَّلا) بأن الأطفال يكونون أحيانا أكثر منطقية منا نحن الراشدين. يبدو على الأقل أنهم لا يحملون ضغينة لفترة طويلة، ويشكّل هذا أحد الموجودات الثمينة في أرض الميعاد، حيث يصبح للضغينة حياة خاصة بها قد تبقى لأجيال طويلة.

«لم يعرف هؤلاء الأطفال تجربة السلام. إنهم لا يملكون الفرصة للسفر إلى دول أخرى لرؤية السلام وكيفيته هناك. هذا كله نابع من مخيلاتهم»، يشير كيالي.

تخيل طفل إسرائيلي من مدينة سديروت المجاورة لغزة التي تتعرض لصواريخ القسام أنه تمكن وحده من إرساء قواعد السلام، «بدأ الأمر بالصدفة» يكتب الطفل.

ملأ الطائرة الصغيرة التي يستطيع التحكم فيها عن بعد التي حصل عليها هدية يوم عيد ميلاده بالحلويات. فقدت يداه عديمتا الخبرة بسرعة السيطرة على الطائرة، وتبين له أنها تتجه لأن تصبح ضحية جديدة من ضحايا الحرب. في خضمّ ذعره ضغط على الزر الخاطئ وقام بقصف مدينة غزة بما تحمله الطائرة من الحلويات.

لم يستطع الجيش الإسرائيلي أن يفهم ما حدث. كان الجميع يعانقونهم فقاموا بإلقاء سلاحهم فورا. كنت على وشك البكاء. كل ما أردته هو استعادة طائرتي، ولكنني أدركت أنني أتيت بالسلام إلى «إسرائيل».

تظهر غزة كذلك في مخيلة طفل فلسطيني يدرس في مدينة للمكفوفين برام الله. يبدأ مقاله واصفا ردة فعله تجاه القصف المتواصل من الأخبار السيئة الآتية من القطاع. «كان قلبي الصغير مفعما بالألم، فتلك الصور الإخبارية تجعل الصخر يبكي».

يغفو نتيجة لتعبه الشديد أمام جهاز التلفزيون ويصحو في دولة مسالمة على أصوات «تغريد الطيور»، بدلا من «الرصاص والمدافع». يبرز فرح إمكانية الحركة ومهجتها في حلمه بشكل واضح. يصف وصوله إلى المدرسة في الوقت المحدد؛ لأنه لم تعد هناك نقاط تفتيش عسكرية، ويمر بعمه وهو «يحرث أرضه بسعادة». يرافقه والده لأنه «لا يوجد سجن يمكن أن يحرمني منه، إذ تم هدم السجون وتدميرها وتحويلها إلى متنزهات للأطفال».

قد يصدم حلم الصبي من هم في الخارج على أنه متواضع جدا وغير ملفت للنظر. ولكن طوال حياة هذا الطفل القصيرة عاش الفلسطينيون واقع الإغلاقات الإسرائيلية، حيث يمكن أن يكون مجرد الوصول إلى القرية المجاورة أمرا مستحيلا أحيانا.

تحلم فتاة فلسطينية من طولكرم كذلك بحرية التنقل. تتنقل في مقالها بحرية بين القدس وعمّان ورام الله وأريحا، ورمز حرية التنقل النهائي: مطار قلندية الدولي. في العام 2008 في الماضي امتلأت هذه القرية نفسها في الضفة الغربية، واستضافت مخيما للاجئين عمره ستة عقود بالفوضى والأعشاب وأكوام الركام والأسلاك الشائكة وجنود يلبسون الخوذ.

تظهر فلسطين التي استقلّت حديثا في هروب الفتاة عبر أحلامها أرضا متعددة الثقافات والأعراق محبوبة عند السياح، لمدنها آفاق ملفتة للنظر وتصف الفتاة غابات على سفوح الجبال وكيف «تنام القرى الفلسطينية في أحضان الطبيعة الخضراء الحالمة»، حيث لا توجد أية «سيارات عسكرية على الطرق أو مستعمرات على رؤوس التلال».

ماذا سيحصل إذن للجيش الإسرائيلي؟

هذا هو موضوع مقال آخر كتبه فتى إسرائيلي. استُدعي دين، وهو جندي إسرائيلي شاب للقيام بمهمة غامضة. تخبره وحدته أنه تم تحديد مكان حسن الحامد الذي طالما تهرّب منهم.

يعتريك شعور بأن شيئا ما مفقود عندما يأخذون ممثلا من الأمم المتحدة، وأن الحامد ربما لا يكون مطلوبا هاربا. يتبين أن الحامد هو في الحقيقة رئيسهم وأنه يقودهم في مهمة صنع سلام في العراق. يشرح الحامد أنه تمت إعادة تسمية الجيش الإسرائيلي «جيش الدفاع عن السلام الإسرائيلي» وأن «العديد من الدول تحتاج لمعونتنا في حل النزاعات والخلافات المتأصلة وإعادة السلام».

ليس هذا بحلم يستحق الإطراء فحسب، وإنما يعكس رغبة قوية بين العديد من الإسرائيليين ليكونوا أعضاء مقبولين بشكل كامل في المجتمع الدولي ومجتمع الشرق الأوسط.

«تشكل المقالات التي كتبها أطفال فلسطينيون وإسرائيليون في الواقع واحدا من أفضل المؤشرات أو استطلاعات الرأي عن حقيقة الوضع»، يقول السيد كيالي.

بل إنني أتعدّى ذلك لأحث الراشدين علنا أن يتركوا الأطفال يتسلمون عملية السلام ليأتوا بها إلى عقلانية الطفولة وكفاءتها.

*مصري المولد، قضى نصف حياته في الشرق الأوسط والنصف الثاني في أوروبا، وهو صحافي وكاتب مركزه بروكسل، يكتب في مجال واسع من الموضوعات بما فيها الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والإسلام والعلمانية والتعددية الثقافية وحقوق الإنسان وغيرها، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً