في حفلة عشاء حضرها السفير الأردني في تل أبيب علي العايد هاجم الرئيس الصهيوني شمعون بيريز شخص محمود عباس قائلا «أبو مازن لا يحظى بشعبية لدى شعبه، وليست لديه قوّة لتطبيق الاتفاقيات الأمنية، وبالتالي فإنّ مسار المفاوضات لا فرصة لديه بالنجاح».
هذا الإيلام الصهيوني لأقرب قناة اتصال تصالحية فلسطينية يبدو مهينا. فإذا كانت تل أبيب لا تريد أنْ تسير مع شريك معتدل كمحمود عبّاس ولا تريد التعاطي مع شخص متشدد كإسماعيل هنيّة، فإنّ الحال يُصبح ترفا إذا ما أصرّ الجميع على أنّ مآل الأمور ستُفضي إلى دولتين.
الأكثر أنّ هذا الأسبوع قد حمل تطورين مهمين في مجال ذلك الإيلام الصهيوني الوقح. الأوّل هو أنّ قسم التخطيط في وزارة الدفاع الصهيونية قد أعدّ خطة عن شكل الدولة الفلسطينية المرتقبة المنزوعة السلاح.
وتفيد تفصيلات الخطة أنّ هذه الدولة ستكون ممنوعة من الدخول «في أيّ نوع من الأحلاف أو التحالفات العسكرية، فضلا عن حق «إسرائيل» في نصب محطات إنذار في تلال الضفة، والاحتفاظ بقوّات على طول نهر الأردن وفي المعابر، وسيطرة كاملة على الأجواء الفلسطينية».
التطوّر الآخر ضمن ذلك الإيلام هو موافقة حكومة أولمرت على إطلاق نحو مئتي أسير فلسطيني، بينهم سجينان اعتقلا قبل ثلاثة عقود لقتلهما صهاينة، لكن إطلاق الأسرى لن يتم قبل إعطاء عائلات الضحايا فرصة للطعن في قرار الإفراج عنهم أمام المحاكم الصهيونية.
من خلال هذا السلوك الصهيوني السلبي يُمكن لأحدهم أنْ يقول: إنّ تل أبيب تدفع نحو إحراج محمود عبّاس وعدم تدعيم خياراته بالشكل الذي يوازي الخيارات الفلسطينية الأخرى. وهو ترجيح صهيوني مؤكّد لخيارات حماس المتشددة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وبالتالي فإنّ كلّ الخطاب الصهيوني والسلوك المعادي لحماس والعمليات العسكرية ضد قياداتها (بحسب ذلك القول) ما هو إلاّ حالة تستبطن تماهيا في الأهداف والمصالح بين تل أبيب وحكومة غزّة.
وقد يتّسق هذا القول شيئا فشيئا (أو قد يصح بحسب منطق هؤلاء) مع الحالة الإيرانية التي مازال البعض يُصرّ على أن حلفا ما، يجمع طهران وواشنطن من تحت الطاولة، على رغم العقوبات الدولية وقرارات الحظر والأموال المرصودة لزعزعة النظام في إيران!.
وبتجاوز هذا الترف من القول يُمكن الوصول إلى حقيقة ما يَجري على ظهر القضية الفلسطينية. فتل أبيب لا تحرق فقط خيار الاعتقاد بالسلام معها، بل إنّ تُحطّم نظام الاعتقاد بالسلام، وهو ما يعني أنّ الإصرار على هذا الخيار عربيا هو عين الذل ومنهاه.
اليوم الأنظمة العربية تواجه أزمة في شرعية إدارتها للصراع. فإذا كانت تل أبيب ترفض هذا الخيار وتُميّعه بشكل فج وتدفع بكلّ طاقتها لتخريبه، فما الذي يدفع بتلك الأنظمة؛ لأن تبقى مُصرّة عليه وتعض عليه بالنواجذ؟!
اليوم الشعوب العربية ومعها الشعب الفلسطيني الذي أتى بحماس في انتخابات إبريل/نيسان من العام 2006 وبخياراتها «الإرهابية» بحسب الرأي الصهيوني، باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى، بأنه إذا لم تجد شيئا تموت من أجله، فإنها لن تجد شيئا تعيش من أجله.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2176 - الأربعاء 20 أغسطس 2008م الموافق 17 شعبان 1429هـ