العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ

لماذا الإرباك في تطبيق إصلاحات سوق العمل؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما رفعت الحكومة قانون إصلاح سوق العمل إلى السلطة التشريعية تولى مجلس الشورى مناقشة بنوده بالتفصيل، على رغم الرغبة الملحة من قبل الطرف الحكومي بسرعة تمريره.

واستجاب المجلس لهذه الرغبة على أمل أن تقوم الجهة المنفذة للمشروع بمراعاة تحفظات بعض الأعضاء على بعض البنود في مراحل التطبيق. ومن هذه البنود نورد ما يأتي:

1 - حرية تنقل العامل من جهة عمل إلى أخرى: على رغم الاتفاق التام على ضرورة مراعاة حق العامل في التنقل وفقا للالتزامات والمعاهدات الدولية، فإن بعض أعضاء مجلس الشورى ومنهم كاتب هذا المقال ارتأوا ضرورة وضع لوائح تنفيذية تنظم إجراءات التنقل من دون المساس بحق العامل وأرباب العمل. فغياب هذه اللوائح التنظيمية سيحدث إرباكا في سوق العمل خلافا لأهداف مشروع إصلاحها. وعندما يصبح قرار الانتقال من مؤسسة إلى أخرى في يد العامل وحده من دون أن يكون لصاحب العمل شأن في ذلك فلن يكون هناك ما يضمن عدم التعسف في استخدام هذا الحق, وبهذا نكون قد انتقلنا من النقيض إلى النقيض. ولنا أن نتصور حجم الأضرار على جهة العمل عندما تقرر مجموعة من العمالة الماهرة وغير الماهرة أن تتحول فجأة إلى مؤسسة أخرى منافسة لم تبذل جهدا في العملية المضنية التي تتطلبها مهمة اختيار وتوظيف العمالة. ناهيك عن الكلف المترتبة على عملية التوظيف، وأساليب وأسرار العمل الخاصة بالمؤسسة التي سينتقل إليها العامل الماهر، فضلا عن الإرباك في تنفيذ المشروعات التي التزمت بها جهة العمل نتيجة الانتقال المفاجئ. لهذه الأسباب حرص غالبية أعضاء المجلس على ضرورة وضع ضوابط منظمة لهذه العملية بالتشاور مع أصحاب الشأن. ولحين وضع هذه اللوائح المنظمة يتم تجميد العمل بهذه الجزئية من قانون إصلاح سوق العمل.

2 - مستوى الرسوم: كان هذا الموضوع محل نقاش مطول بين الجهات المعنية، إلا أن الجانب الأهم الذي طرح في مجلس الشورى ليس مستوى الرسوم المقترحة آنذاك فقط، بل المسألة تكمن في عدم تناسقها بين مختلف المهن، ما يخلق إجحافا بحق المؤسسات الصغيرة التي توظف عمالة غير ماهرة. فهذه المؤسسات ليس بوسعها مجاراة المؤسسات الكبيرة من حيث القدرة على دفع الرسوم، ما يعرض الكثير منها للإغلاق. ومن جهة أخرى فإن توحيد مبلغ الرسوم الجديدة على جميع المهن دونما اعتبار لاختلاف مسئولياتها يتعارض مع أهداف البحرنة. فإذا كان الغرض تدريب المواطن لتولي الوظائف ذات الدخل المرتفع كالوظائف المصرفية والهندسية والفنية لكون المواطن يعزف عن الوظائف الحرفية الأخرى وخصوصا في قطاع البناء فإن مساواة مبلغ الرسوم بين العامل والمصرفي مثلا لا يساهم في تدريب البحرينيين في المجال المصرفي, فعدم إمكانية بحرنة الوظائف الحرفية لا يبرر مساواة رسومها مع الوظائف الفنية والتخصصية المستهدفة بالبحرنة, وهذا يعني انتفاء المبرر لتوحيد الرسوم بين مهن يستهدفها المشروع وأخرى لا يستهدفها. فتوحيد رسوم المهن الحرفية مع المهن التخصصية والفنية يعني ارتفاعها بالنسبة للفئة الأولى غير المستهدفة بتأهيل وإحلال العمالة الوطنية، وانخفاضها بالنسبة للفتة الأخرى المستهدفة بالمشروع. وفي هذه الحالة، وبفتح الباب واسعا أمام استيراد العمالة الأجنبية, سيكون الأمر مغريا للمؤسسات الكبيرة التي تتمتع بإمكانات مالية, وخصوصا في المجال المالي والهندسي أن تجلب العمالة من الخارج بدلا من تدريب المواطنين.

فعندما تتساوى كلف جلب المصرفي أو المهندس مع العامل، مدعوما ذلك بإلغاء سياسة البحرنة، فإن بحرنة الوظائف ذات الدخل المرتفع بات حلما بعيد المنال وخصوصا في أجواء تهيمن فيها العمالة الأجنبية على كثير من الوظائف القيادية ومن ضمنها وظائف إدارة شئون الأفراد في كثير من المؤسسات. لهذه الأسباب وحرصا على ألا يسير المشروع في اتجاه معاكس لأهدافه كان لبعض من أعضاء مجلس الشورى رأي قوي في عدم جدوى توحيد الرسوم لمهن مغايره وقطاعات اقتصادية مختلفة.

3 - إلغاء سياسة البحرنة: إلغاء سياسة البحرنة سواء كان بالتدرج أو عدمه يعني أن جميع المؤسسات والأجنبية منها خاصة ليست ملزمه بوضع برامج وخطط للتدرج المهني، أي ما يعرف بـ Plans Career Development لموظفيها وتأهيل المواطنين منهم لوظائف تخصصية وقيادية. فمن المعروف أن هذه الوظائف ليس بالإمكان بحرنتها إلا بوجود برامج للتدرج الوظيفي يرسم مسارات التأهيل بدقة وتحت إشراف متخصصين في إدارة الموارد البشرية. وعندما لا تكون البحرنة هدفا ملزما، وفي غياب الإشراف والتدقيق من قبل جهة مركزية كما هي الحال عليه في المملكة العربية السعودية ودبي فإن الحافز لإيصال البحريني لهذه الوظائف لن يكون متوافرا لدى كثير من المؤسسات التي يهيمن الأجانب على إدارتها وتفتقر لبرامج مسارات التدرج الوظيفي.

لن نتحدث هنا عن دول كالولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا اللتين تعملان وفقا للنظام الاقتصادي الحر، فهذه الدول أيضا لديها قوانين صارمة بشأن جلب العمالة الأجنبية، فهناك دول أخرى مجاورة أيضا اشترطت توافر برامج التطوير المهني في المؤسسات الخاصة لضمان إحلال مواطنيها محل العمالة الوافدة في المهن ذات الدخل المرتفع. فجميع الدول ومن ضمنها الدول الكبرى صاحبة مشروع التجارة الحرة لديها قوانين منظمة لضمان حماية منتجاتها، ناهيك عن عمالتها الوطنية وحقوق مواطنيها. فمساواة الوافد أو تفضيله في حقوق المواطنة على المواطن خط أحمر لا تقبل به حكومات وشعوب هذه الدول التي من الأجدى بنا أن نتعلم من ايجابيات تجاربها الناجحة.

لهذه الأسباب أيضا كان الرأي في المجلس هو عدم التفريط في حقوق المواطنة، بل اعتبار البحرنة هدفا وطنيا تسعى الدولة إلى تحقيقه بحكمة وبنموذج إداري منظم متعارف عليه في الاقتصادات الناجحة. إن الإرباك الحقيقي في تطبيق مشروع إصلاح سوق العامل لم يبدأ بعد. وما لم يتدارك القائمون عليه كثيرا من الثغرات الحاصلة في تطبيق القانون فإن القادم على المستوى الاقتصادي ستكون له انعكاسات سياسية تزيد من تأزيم الأمور، وستخلق أوضاعا نحن في غنى عنها. حينها لن تكون زيادة الرسوم التي سبق أن جربناها عدة مرات في الماضي مجدية لمعالجة مسألة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد.

فمن أجل إنجاح مشروع إصلاح الاقتصاد وسوق العمل لا بد من مراجعة وتقييم لكل مرحلة من مراحل التنفيذ للخروج بقرارات متوازنة تحفظ للجميع مصالحه وتساهم في إنجاح المشروع, مستدركين بذلك أهمية توافر بنية تحتية متكاملة لمؤسسات تدريب متخصصة ومستقلة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً