كنت أستمع إلى برنامج نقطة حوار الذي تبثه قناة «بي بي سي» يوم الأحد 26 يونيو/ حزيران وكان الموضوع يتعلق بالطائفية في منطقة الخليج ومحاولة معرفة هل هناك طائفية أم لا؟
بطبيعة الحال وكأي حوار يشارك فيه أشخاص من مختلف التوجهات ومن دول متنوعة لابد أن يكون هناك تنوع كبير في المداخلات ولاسيما أن الموضوع يثير بطبيعته جدلا كبيرا ما بين مؤيد لوجود الطائفية والتفرقة وما بين معارض لوجودها، وبطبيعة الحال فإن تحميل الأميركان والصهاينة والحكام جزءا كبيرا من هذه اللعبة لابد أن يكون حاضرا في مثل هذه النقاشات.
الذي لفت انتباهي في هذا الحوار التركيز على البحرين باعتبارها أكثر دولة خليجية تتمتع بالتفرقة الطائفية، واللافت أكثر تحميل الوهابيين والسلفيين وزر هذه التفرقة بالإضافة إلى من سبقت الإشارة إليهم جميعا.
عجبت كثيرا من إقحام السلفيين ومن يطلق عليهم «الوهابيين» وزر المشاركة في عمل لا يتفق مع أبسط المفاهيم «السلفية»، كما عجبت أيضا كيف يفهم البعض أن في السعودية «وهابيون» مع أن هذا المصطلح لا وجود له على الإطلاق في السعودية وإنما يردده البعض من خارجها باعتبار أن هناك فئة متشددة تحمل هذا الأسم. الذي أود التأكيد عليه أن السعودية ليس فيها «وهابيين» على الإطلاق، بل إن هذا المصطلح لا يذكر في بلادنا على الإطلاق وإنما نسمعه هنا أو هناك مقرونا بصفات التشدد والتزمت وسواها من الصفات السيئة.
أقول: إذا كانت السعودية مهبط «الوهابية» - كما يقال - ليس فيها وهابيون فكيف يقال إن البحرين تحتضن أعدادا منهم وأنهم يمارسون التفرقة المذهبية؟ أما السلفيون فهم موجودون بهذا الأسم في بعض البلاد العربية، ولكن مفهوم «السلفية» يختلف من مكان إلى آخر، كما أن هذا المصطلح يتنازعه الكثير من الأشخاص والجماعات على مختلف مذاهبهم وبلادهم.
الذي أعرفه أن «الاخوان» لو سئلوا عن معتقدهم لقالوا إنهم سلفيون، باعتبار أنهم يأخذون مبادئهم الدينية من السلف الصالح من المسلمين ومن القرآن والسنة، ولو سألت «الأصوليين» السؤال نفسه لسمعت الجواب نفسه أيضا... وهكذا لو سألت الشيعة لقالوا إنهم يأخذون عقائدهم من الكتاب والسنة، وهذا العمل هو عمل سلف الأمة وبالتالي فهم سلفيون أيضا بهذا المفهوم.
وهكذا نجد أن هذا المصطلح ليس حكرا على جماعة بعينها وإنما يمكن لكل أحد أن يدعيه ولهذا نجد أن «السلفيين» يختلف بعضهم عن البعض الآخر في المفاهيم وفي طريقة النظر إلى الأشياء.
والواقع أن مشكلة المصطلحات تنطبق على معظم المنتمين للتيارات الفكرية والحزبية، فاليبراليون يختلف بعضهم عن البعض الآخر، فهناك ليبراليون حكوميون، وهناك إصلاحيون ينادون بمعتقداتهم حتى وإن خالفت بشدة آراء حكوماتهم، وكلهم يدعي الليبرالية حتى وإن كان البعض في أقصى اليمين والآخر في أقصى اليسار.
أعود إلى سلفيي البحرين المتهمين من خلال الـ «بي بي سي» بأنهم مثيروا الفتنة ودعاة الطائفية في البحرين لأقول: ليت من وصفهم بهذه الصفة أورد شواهد على قوله ليمكن التعرف على بعض تصرفاتهم التي تؤكد تلك المقولة.
السلفي الحق لا يمكن أن يكون من دعاة الطائفية، ولا من دعاة الفتنة لأنه يعلم أن رسوله الكريم كان يتعامل مع أصحاب الديانات الأخرى معاملة كريمة، ومثله فعل خلفاؤه الأربعة، وعلى آثارهم سار سلفيو الأمة في كل عصورهم المشرقة.
فإذا كان السلف وعلى رأسهم نبي هذه الأمة يفعلون هذا الفعل الحسن مع غير المسلمين فهل يكون مقبولا أن يتعامل السلفيون مع طائفة مسلمة بصورة سيئة؟
بطبيعة الحال لا أنفي كل ما يقال لأن النفي يحتاج إلى تتبع دقيق لكل ما وقع ويقع في البحرين وهذا ما لم أستطع فعله، وإن كنت لا أنفي أنني سمعت شيئا من هذا من بعض الأصدقاء البحرينيين، وكنت كلما سمعت شيئا أبديت دهشتي من كيفية الجمع بين «السلفية» وإثارة فتنة لا تتفق مع مبادئ الدين أو مصلحة الوطن.
على أية حال من حق «السلفيين» أن يدافعوا عن مواقفهم، ومن حق البحرينيين أن يسمعوا هذا الدفاع، بل ومن حق كل المسلمين أن يطمئنوا إلى أن كل المنتمين للسلف لا يسيئون إلى السلف الذين يرون أنهم أتباع لمنهجهم.
وأخيرا أتمنى أن يعرف الكل أن «الوهابية» كلمة لا وجود لها على الواقع، كما أتمنى أن يعرف الجميع أيضا أن مصلحة بلادهم ومصلحتهم - أيضا - أن لا يبقى بينهم دعاة للطائفية فهذا شر سيلحق بهم جميعا إن استمر في بلادهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ