نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية خبرا نقل فيه تصريحات حكومة دبي بأنها «ستتخذ إجراءات صارمة ضد المتورطين في قضايا فساد، (ردا على) سلسلة من الإدعاءات بشأن حدوث خروقات مالية في عدد من الشركات الكبرى في إمارة دبي... يُعتقد أن مسئولين في شركات مرتبطة بحكومة دبي تورطوا فيها».
وكما جاء في الخبر فإن «حكومة دبي تنهج سياسة شفافة وواضحة، وأنها لن تتساهل مع مظاهر الفساد والارتشاء واستغلال المناصب الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية».
لاشك أن هذه الخطوة الدبوية في غاية الشجاعة من أجل تصحيح أوضاع إدارية ومالية حكومية خاطئة. ولربما لن تطال يد هذا الإجراء التصحيحي كل الضالعين في مظاهر الفساد الإداري والإقتصادي الذي يبدو أنه «يجتاح دبي»، ووصل إلى درجة لم يعد في الإمكان السكوت عنها، لكن حتى هذه المعالجة، على محدوديتها، تبقى أفضل من اختيار الصمت أو التستر على استشراء الفساد تحت طائلة مبرررات لا يمكنها أن تصمد في وجه النزوع العالمي اليوم نحو المزيد من الشفافية.
الأمر الذي ينبغي لفت النظر إليه هنا هو أن دبي ليست الحالة العربية الوحيدة التي تجتاحها موجات الفساد الإقتصادي ففي مارس/آذار من العام 2008، أقر نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية السوري عبدالله الدردري بوجود فساد في سورية بمعدلات ملموسة، مؤكدا أن معدل نمو الفساد أقل من معدل نمو الاقتصاد السوري. ولم يكن الوزير السوري يكشف سرا عند الإقرار بذلك نظرا لكون تقرير منظمة الشفافية الدولية في لندن العام 2007 كان قال «إن مؤشر مدركات الفساد 2007 بيّن أن سورية من الدول البطيئة في مكافحة الفساد».
ومرة أخرى ليستا دبي وسورية وحيدتين في المعاناة من الفساد، ولعل في اختيار مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت والمعهد السويدي بالإسكندرية «الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية» عنوانا لإحدى الندوات التي عقدها في سبتمبر/أيلول 2004 مؤشرا على عمق استشراء الفساد في الجسم العربي، إلى درجة لم يعد في الوسع السكوت عليها.
كما أن الفساد ليس ظاهرة عربية فقط، ففي يوليو/تموز 2008 أعلنت ألمانيا حربها على الفساد الإقتصادي الذي بات، حسب أقوال مسئولين هناك «ظاهرة مقلقة».
ولعل هذا السبب هو الذي دفع العالم في نهاية القرن العشرين إلى بناء مؤسسات متخصصة في مكافحة الفساد، ومن أشهرها مؤسسة (الشفافية الدولية)، التي جاء تأسيسها ردا مباشرا على فشل البرامج المالية التي وضعتها المؤسسات الدولية المالية لمساعدة الدول ذات الاقتصادات المريضة أوغير القادرة على الصمود في وجه التحولات التي بدأت تجتاح العالم المرتبك؛ إذ ينهي هذا الفساد أهداف برامج المساعدة. وأدى ذلك أيضا إلى ظهور دراسات متخصصة في ظاهرة الفساد التي أصبحت تشمل الدول والشركات الممولة والدول المستفيدة.
كذلك لابد هنا من الإشارة إلى دعوات عقد معاهدات من أجل مكافحة هذه الظاهرة مثل معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومعاهدة الإتحاد الإفريقي الإقليمية لمكافحة الفساد، ومعاهدات القانون المدني والجنائي لمجلس أوروبا بشأن الفساد.
وتختلف صور الفساد من دولة إلى أخرى، كما أنه يتمظهر في أشكال مختلفة، لعل أكثره شيوعا الفساد الواضح والمباشر والهادف إلى نيل المال من خلال سرقة المال العام أو اختلاسه، أو اللجوء إلى الرشوة والتربح بالإستفادة من المنصب الوظيفي أو استخدام المكانة الإجتماعية أو السياسية التي يتمتع بها من يمارس الفساد.
لكن ليست تلك هي الصورة الوحيدة للفساد، لذلك نرى الكاتب الأردني إبراهيم غرايبة يحدد فئتين للفساد، مستندا في ذلك إلى تعريفات البنك الدولي: الفئة الأولى التي يصفها بـ «الفساد الصغير» والتي يحصرها في أمور مثل «دفع الرشوة والعمولة المباشرة إلى الموظفين والمسئولين في الحكومة، وفي القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات، وتسهيل الأمور لأصحاب الأعمال والشركات، ووضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي وفي القطاعين العام والخاص» ثم يتبع ذلك بما يطلق عليه «الفساد الكبير» الذي يرتبط «بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات، وتجارة السلاح والحصول على التوكيلات التجارية للشركات الدولية الكبرى متعددة الجنسيات».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ