استمرار احتلال إيران للجزر العربية الإماراتية الثلاث: طنب الصغرى، طنب الكبرى وأبوموسى، وما عمدت إليه مؤخرا من افتتاح مكتبين في الجزيرة الأخيرة، هو محاولة واهمة لتغيير الواقع على الأرض، على رغم مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين العام 1971، وخرق واضح لما جاء في بنود المذكرة.
تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، حسن قشقاوي، جدد باسم وزارة الخارجية يوم السبت الماضي (الموافق 16 أغسطس/ آب الجاري) تأكيده بأن جزيرة أبوموسى جزء لا يتجزأ من إيران، موضحا أن سوء الفهم بشأن الجزيرة يمكن تسويته في إطار الحوار الثنائي ومذكرة تفاهم العام 1971، وذلك في إطار الرد على إدانة مجلس التعاون الخليجي للإجراءات التي اتخذتها إيران بافتتاح مكتبين في الجزيرة.
وضع جزيرة أبوموسى يخضع لما جاء في مذكرة التفاهم العام 1971، والتي لم تنقل السيادة على الجزيرة أو أي جزء منها إلى الجانب الإيراني، الأمر الذي يجعل من أعمال الإنشاءات أعمالا غير مشروعة، وبعض الأعمال غير المشروعة حدثت منذ السنة الأولى من توقيع مذكرة التفاهم، فيما المتحدث باسم وزارة الخارجية لم يتردد في وصف تجاوز بلاده واختراقها للمذكرة بـ»سوء فهم يمكن تسويته في إطار الحوار الثنائي ومذكرة تفاهم العام 1971!».
بات على العقلاء في إيران - ليس بسبب الوضع الحرج والمتوتر في العلاقات بين بلادهم والولايات المتحدة الأميركية، وفرص اندلاع حرب في الخليج لا يعلم مدى كوارثها إلا الله - أخذ زمام المبادرة لحلحلة ملفات خارجية وداخلية أيضا. في الخارج لاتزال علاقات إيران بدول الخليج متقلبة وغير مستقرة في رؤيتها. ثمة أكثر من جناح يمثل السياسة الإيرانية، بدءا بالمتحدث بوزارة الخارجية، وليس انتهاء بعدد من الأصوات المحسوبة على المرشد العام للثورة السيد آية الله على الخامنئي. وفيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة، ظلت منذ سنوات الاحتلال الأولى لجزرها تتبنى - في موقف واضح - الحل الدبلوماسي، أو الاحتكام إلى الهيئات والمنظمات الدولية لحل النزاع حول الجزر الثلاث، فيما إيران تصر على «إيرانية الجزر» بل ولوحت أكثر من مرة على لسان مسئولين إيرانيين بالتهديد في حال لجأت الإمارات إلى هيئات التحكيم الدولية.
في مقابل الموقف الإيراني، عززت الإمارات من موقفها بالانحياز إلى الحل الدبلوماسي، بانفتاح اقتصادي وتبادل تجاري كبير، عدا استمرار تدفق المواطنين الإيرانيين على السوق الإماراتية وخصوصا دبي، من دون أن ننسى أن موانئ الإمارات ظلت المنفذ والشريان الحيوي الوحيد في السنوات الأولى للحصار الاقتصادي عليها، وكذلك فترة الحرب العراقية الإيرانية. مثل تلك المواقف، عدا الحق التاريخي للإمارات في الجزر، لم تترك أثرا في توجهات السياسة الإيرانية بتغيير معالم الجزر الثلاث، ومحاولة طمس هويتها، وخصوصا أبوموسى.
الغريب أن التصعيد الإيراني في جزيرة أبوموسى أتى في وقت تقترب فيه ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش من نهايتها، وبحسب محللين عسكريين وسياسيين، لن يترك بوش البيت الأبيض من دون أن يتأكد من تعميق التعقيدات في جبهات الحروب التي فتحها وفتح جبهات أخرى من بينها إيران والسودان.
على المستوى الداخلي، ثمة ملفات معقدة في الداخل تتعلق بحقوق الإنسان والأقليات. ملفات لم تأت حقائقها من وزارة الخارجية الأميركية أو منظمات حقوق الإنسان في الخارج. ثمة أصوات وسياسيون أعلنوا وكشفوا حقيقة ملفات الأقليات والتمييز، عدا استخدام وزارة الداخلية الإيرانية أساليب التعذيب في سجونها ومراكز التوقيف.
كيف يمكن للجبهة الداخلية الإيرانية أن تكون متماسكة وقادرة على التصدي لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة، في ظل ملفات طالت عقدها، ليس أقلها الملف الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى أرقام قياسية، فيما موازنة التسلح الإيرانية تلتهم مداخيل النفط، من دون أن ينعكس ارتفاع أسعار النفط على المواطن الإيراني.
هل تنتظر إيران من دول الخليج أن تكتفي بالفرجة في ظل تهديدات مستمرة بتحويل الخليج إلى جهنم في حال أقدمت أميركا على ضربها؟ على رغم إعلان دول الخليج عدم السماح للولايات المتحدة الإنطلاق من أراضيها لضرب إيران.
بعد هزيمة المعتدلين في إيران، وخروج خاتمي، وفشل رفسنجاني في الوصول إلى سدة الرئاسة، واستمرار الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد في تصريحاته النارية والمستفزة في بعض الأحيان، يبدو ألا أفق لحلحلة الملفات الخارجية، عدا الحديث عن الملفات الداخلية.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ