العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ

الحرب الأهلية في غزة ليست لصالح «إسرائيل»

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

عندما انفجرت قنبلة في حي الشجاعية في غزة الشهر الماضي وقتلت أربعة ناشطين من حماس وطفلة يبلغ عمرها خمس سنوات، ألقت حماس باللائمة على فتح وتحركت بعنف ضد مواقعها الباقية في غزة. سعت قوات فتح بعد ذلك للانتقام من حماس في الضفة الغربية، وتبعت ذلك جولة أخرى من النزاع الفلسطيني الداخلي وسفك الدماء، وهربت عشيرة رئيسية من أتباع فتح في غزة هي عشيرة الحلس إلى «إسرائيل» على أمل الوصول إلى الضفة الغربية.

هل تظن أن اقتراب الفلسطينيين من الحرب الأهلية والانهيار المستمر للكينونة الفلسطينية الحاكمة يخدم مصالح «إسرائيل» الأمنية؟ فكّر مرة أخرى.

هؤلاء الذين يسعدون لرؤية الصور المتلفزة للعنف الفلسطيني الداخلي أو «للانقلاب الإعلامي السياسي» لمنظمة «Human Rights Watch» وهي تدين كلا من حكومة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح، هم مضلَّلون بشكل خطير.

لا تبرئ هذه الأحداث «إسرائيل» من انتهاكاتها لحقوق الإنسان والقوانين الدولية في المناطق الفلسطينية ولا تحسّن من بيئتها الاستراتيجية.

قبل نحو 50 يوما جرى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة بين «إسرائيل» وحماس.

حسب شروط الاتفاق الذي توسطت فيه مصر، تتوقف كل من حماس و»إسرائيل» عن الهجمات ضد مناطق الطرف الآخر، وتمنع حماس الفصائل الفلسطينية الأخرى من إطلاق الصواريخ على مدينة سديروت وضواحيها، وتقوم «إسرائيل» بالتخفيف تدريجيا من الإغلاق المدمر لاقتصاد غزة وحياة سكانها اليومية.

وقف إطلاق النار هش ولكنه صامد، وقد تحسن واقع كل من الطرفين بشكل ملموس، على رغم أنه بعيد عن أن يكون طبيعيا. عندما زار المرشح الديمقراطي الأميركي باراك أوباما مدينة سديروت يوم 23 يوليو/ تموز وعقد مؤتمرا صحافيا في الهواء الطلق مع الصحافة العالمية، أحيط بمجموعة مثيرة للإعجاب من شظايا الصواريخ. إلا أن الأمر الذي لم يعلّق عليه أحد هو أنه لولا وقف إطلاق النار لما كان بالإمكان تصور عقد المؤتمر.

أحد النتائج الجانبية للعنف المستمر بين حماس وفتح هو تعريض وقف إطلاق النار للخطر.

من المحتمل أن يتوجه أي فصيل فلسطيني يسعى إلى تحويل الأنظار عن تصرفاته الداخلية السيئة ويرغب في رفع سمعته لدى الرأي العام، سابقا أو لاحقا إلى استهداف «إسرائيل». لن يعيد تجدد العنف سكان سديروت إلى الملاجئ فحسب وإنما سيعمل كذلك على إفشال أية احتمالات لصفقة لتبادل الأسرى لإطلاق جلعاد شاليط.

من الواضح أن أحداث الأسابيع الأخيرة عمّقت الخلافات السياسية الفلسطينية.

مرة أخرى يتعرض المرء لإغواء التوصل إلى نتيجة أن هذا قد يكون أمرا جيدا بالنسبة لـ «إسرائيل» - فرّق تسد، أضعِف العدو. مرة أخرى سيكون هؤلاء على خطأ. أو بالأحرى دعوني أعطي ذلك تفسيرا محددا. يخطئ المرء إذا اعتقد أن حل الدولتين وأن الحدود الدائمة المعترف بها بين «إسرائيل» وجيرانها هي في مصلحة «إسرائيل» الحيوية.

يشكّل هذا الأمر بالتأكيد سببا لهؤلاء دعاة حل الدولة الواحدة أو أي نظام يتوق إلى ترسيخ نظام الفصل والتمييز في المناطق، لأن يحتفلوا. وهذا لأن حل الدولتين، على الأقل كما تبدو عليه الأمور حاليا في المفاوضات، يتطلب حركة فلسطينية وطنية موحدة وعربية بشكل كافٍ في عيون شعبها، لأن تكون قادرة على الموافقة على الصفقة وتطبيقها. يجعل التشظي الجغرافي والسياسي الفلسطيني ذلك أكثر تحديا.

لا يرفع توفير «إسرائيل» ملاذا لمقاتلي فتح من عشيرة حلس، والإشارة إلى زعماء السلطة الفلسطينية بالشركاء، من مقام هؤلاء الفلسطينيين في أعين جماهيرهم. من غير المحتمل لزعامة فلسطينية ينظر إليها شعبها على أنها مقاوَل داخلي أمني لـ «إسرائيل»، أن تكون في موقف تصل فيه إلى صفقة تاريخية مليئة بالحلول الوسطى التاريخية. آخر ما نحتاجه هو جيش آخر مثل جيش لبنان الجنوبي.

على رغم الكلمات اللطيفة التي توزَّع على رئيس الوزراء سلام فياض وجهوده الأمنية في جنين ونابلس وغيرها فإن الواقع الأليم هو أن السياسة الإسرائيلية تعمل بشكل متواصل على تقويض أركان سياساته.

ولكن قد يكون أكثر ما يثير قلق الجميع هو أنه بينما يفقد الفلسطينيون الأمل بالعملية السلمية، وينظرون بيأس إلى زعماء فتح وحماس، هناك خطر من أن تبرز بدائل على نسق متطرفي «القاعدة». قد يكون نشاط كهذا يتفاعل في هذه اللحظة، بينما تنقسم السياسة إلى هياكل عشائرية ومجموعات مثل جيش الإسلام. ليست حماس هي القاعدة، ولكن البديل عنها قد يكون كذلك.

يتحفظ معظم الوسطاء المحتملين من العرب بشأن إنفاق رأس المال السياسي على مصالحة فلسطينية. حاولت المملكة العربية السعودية ذلك السنة الماضية عندما قامت بترتيب صفقة وحدة بين حماس وفتح في مكة. تهاوت تلك الصفقة منذ ذلك الوقت وانسحب السعوديون من الساحة.

تحافظ مصر، والأردن الآن، على علاقات مع حماس والسلطة الفلسطينية. إلا أنه لا مصر ولا الأردن يسرع لملء فراغ التوسط، إذ تعطي كل منهما الأولوية للاعتبارات السياسية المحلية.

ساهمت «إسرائيل» بالطبع، وليس بشكل قليل الأهمية، في إفراغ الحركة الوطنية الفلسطينية من مضمونها، من خلال فشلها في تحقيق نهاية للاحتلال واغتيال القادة وتبني سياسة الطرف الواحد وغير ذلك.

ولكن هذه في نهاية المطاف قصة فلسطينية ويعود الأمر للفلسطينيين أنفسهم في إنهاء العنف والسعي لعقد حوار داخلي. في هذه الأثناء يتوجب على «إسرائيل» القيام بأمور ثلاثة، لمصلحتها الذاتية إن لم يكن لأي سبب آخر.

الأول، اتخاذ توجه رفع الأيدي تجاه السياسة الفلسطينية الداخلية. لا تصوتوا ضد الحوار الداخلي. كلما كسرناه كلما أصبح ملكا لنا.

لدى «إسرائيل»، بشكل واضح، اهتمام بالبراغماتيين لينقذوا الوضع. ولكن الواقع هو أن الإسرائيليين والفلسطينيين يخوضون نزاعا.

بالنسبة لأي زعيم فلسطيني، يعتبر كونه «مفضّل» لدى «إسرائيل» نعمة مختلطة، وخصوصا عندما يُتَرجَم «التفضيل» على شكل بيانات غير منمّقة (عن شركائنا)، وعدم اكتراث من حيث الاحتياجات الفلسطينية الفعلية (مثل رفع الحصار والإغلاق أو تجميد الاستيطان).

ثانيا، إيجاد ترتيبات سياسية عاملة حيث أمكن ذلك - مع أي طرف يمكنه تنفيذ التزاماته، ومع من يبدي الاستعداد لتحقيق صفقة، حتى ولو كانت غير مباشرة. وهذا يعني الحفاظ على وتعزيز وقف إطلاق النار مع غزة وتوسيعه إلى الضفة الغربية وإتمام التفاهم على إطلاق سراح شاليط مع حماس. وهو يعني كذلك العمل مع حكومة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لتحسين الأوضاع اليومية بأساليب حقيقية ذات معنى.

وأخيرا، وهو أمر حاسم، ضمان أن تُجَنِّب «إسرائيل» نفسها الهبوط إلى الفوضى، وأن تحافظ على ديمقراطيتها وحكومتها من خلال سلطة مركزية. تواجه «إسرائيل» الضفة الغربية بكل ما فيها من فوضى.

توفر المشاهد البصرية، المتوافرة ليراها الجميع على موقع «YouTube» نافذة مرعبة على عنف المستوطنين الذي لا يعيقه شيء ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وإطلاق الرصاص عن قرب من قبل العسكريين على المتظاهرين العزّل والمتفرجين. ويجري تجاهل قرارات المحكمة العليا بينما يقطع جدار الفصل بعمق في الضفة الغربية، وتتوسع المستوطنات والبؤر الاستيطانية المتقدمة من دون رادع.

حان منذ زمن بعيد وقف التعامل مع هذا التآكل المزمن لحكم القانون في المجتمع الإسرائيلي، وهذا تحدٍ تستطيع «إسرائيل» مواجهته من طرف واحد.

*عمل مستشارا في مكتب رئيس الوزراء وعضو في الوفد الإسرائيلي المفاوض في محادثات أوسلو (ب) طابا، كما أنه الإسرائيلي الرئيس في صوغ مبادرة جنيف، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2174 - الإثنين 18 أغسطس 2008م الموافق 15 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً