العدد 2172 - السبت 16 أغسطس 2008م الموافق 13 شعبان 1429هـ

الدنيا... غنيمة الأكياس(منوعات)

عندما تهل على مسامعنا كلمة «فقير» ينكسر القلب مباشرة من دون أية مقدمات ونعطف على صاحب تلك الكلمة. ولكن... هل تمعنا في مفهوم الفقر وتفحصنا أسبابه وما يترتب عليه من سلبيات وايجابيات إن وجدت؟ هل يستحق كل هذه الشفقة أم يستحق نظرة أكثر واقعية وشمولية؟

لست بصدد طرح بحث أو دراسة عن مفهوم الفقر، تجيب عن كل هذه الأسئلة، ولكنني أصدم يوما بعد يوم بواقع الحياة الذي يقسو على الفقير ويسد أبواب الرزق التي فتحها الله عليه، فقبل أيام قليلة مضت كنت في زيارة لإحدى «الأسواق الأسبوعية» التي تفترش فيها نساء ورجال مساحة خالية في منطقة معينة طوال أيام الأسبوع لبيع مستلزمات نسائية وملابس أطفال وأدوات منزلية وعطور وحتى الفواكة والخضراوات، كل ذلك من أجل تأمين مصدر دخل لها ولعائلتها...

تحت أشعة الشمس الحارقة كانت تجلس عجوز، البساطة تغلفها وتغلف كل ما يحيط بها من بضاعة... وبينما كنت أسألها عن أسعار بعض القطع المعروضة التي أعجبتني، وإذا برجل يرتدي ثيابا نظيفة، أقبل على تلك العجوز، ألقى عليها التحية بكلام لبق، وردت هي بأحسن منها، ثم قال لها: حاجيه... أنا جاي أفيد واستفيد، ردت: آمر يا بويي ويش طلبك (إذ ظنت أنه أتى شاريا أحد معروضاتها أو باحثا عن شيء ما لزوجته أو شقيقته، وخصوصا أنها تبيع مستلزمات نسائية)، فقال لها الرجل: تعرفين حاجيه الحياة تضغط على البني آدم من كل صوب... والمعيشة صارت غالية... وأنا وزوجتي نعيش في شقة فيها حجرتين وصالة ومطبخ وانتين بالكرامة حمام... والله رزقني بالأرض إلي انتين باسطه عليها بضاعتش، لذلك فأنا أقترح عليش أني أقوم بخدمتش وظلل لش الأرض وتفرشين فيها بضاعتش، مقابل أنش أسبوعيا تدفعين ليي خمسة دينار...

صعقت للكلمات التي سمعتها، فما بالك بحال العجوز فقد أصفر لونها وصعقت لسماع الخبر، ولكنها ردت بتلك الكلمات أيه صدق لين قالوا: «الدنيا غنيمة الأكياس» (طبعا هي قالتها بلهجتها ولم أفهمها في البداية ولكنني فهمتها بعد أن كررتها)... وأضافت: إذا كنت أعرض بضاعتي كل أسبوع ولا أحصل إلا على دينارين، فمن وين أكمل بقية المبلغ؟ ويش اللي استفدته أني من بضاعتي؟ تيسر يا ابني، الأسبوع الجاي باحصل أرض خالية أفترش فيها، فأنا ما اقدر ادفع ها المبلغ... فانصرف الشاب وذهب لسيدة أخرى كانت جالسة بقربها ليطرح عليها السيناريو ذاته لـ «يفيد ويستفيد»، بحسب قوله.

النموذجان، لم يكونا ظالما ومظلوما، بل هما مظلومان؛ فواقع الحياة الذي نعيشه يتطلب من المرء أن «يفيد ويستفيد»... توجع قلبي لحال الاثنين الساعيين في طريقين مختلفين لكسب لقمة عيش لعيالهما، وتذكرت كلمات قرأتها للشاعرة فدوى طوقان:

لم تحبس السماء رزق الفقير لكنه في الأرض ظلم البشر

كم بائس كم جائع كم فقير يكدح ولا يجني سوى بؤسه

العدد 2172 - السبت 16 أغسطس 2008م الموافق 13 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً